أمانة المسؤولية بين الربح والخسارة
الفرد عصفور
10-10-2008 03:00 AM
معروف أن التجارة تكون نتيجتها أما ربح أو خسارة. فان كانت رابحة فهي تجارة ناجحة وان كانت خاسرة فهي تجارة فاشلة. وفي التجارة يسمى الفشل خسارة، أما في الإدارة العامة والأجهزة الرسمية فيسمى الفشل عجزا في الموازنة. في الصحف المحلية أن بنكين وطنيين حققا أرباحا هائلة. البنك العربي تجاوزت أرباحه الخمسمئة وتسعين مليون دينار (843 مليون دولار) أما بنك الإسكان فتجاوزت أرباحه مئة وثمانية وعشرين مليون دينار.
في الصحف نفسها أن أمانة عمان حققت عجزا في الموازنة بلغ خمسة وثمانين مليون دينارا. بتطبيق معايير التجارة والربح والخسارة على البنوك والأمانة، نجد البنوك ناجحة بدليل أنها رابحة، والأمانة فاشلة بدليل أنها خاسرة أو عاجزة بلغة الإدارة العامة. بطبيعة الحال، ليست المكافآت التي وزعها الأمين على أنصاره ومعارفه من كبار مسؤولي الأمانة هي سبب ذلك العجز. فالعجز اكبر بكثير من ألاف قيل أنها ربت على العشرين ألف دينار.
لكن هذه العشرين ألف دينار قد تكون كافية لتغطية العجز والفساد في الإدارة أن كان هناك عجز وفساد أدى إلى العجز المالي. ولكن... هذا العجز والفشل والخسارة ما هو إلا انعكاس لفشل وعجز في الإدارة العامة بشكل عام. كما انه انعكاس لحالة الفساد المنتشر في أجهزة الدولة المختلفة. هذا الفساد يتمثل في التسيب الإداري عموما.
وفي تسيب المال العام. وعدم الإحساس بالمسؤولية عند إجراء التعيينات في المناصب العليا. يقال في التاريخ أن انهيار الإمبراطوريات بدأ عندما أخذت تتوسع بغير حساب. وهذا ما نخشاه لأجهزتنا ودوائرنا ووزاراتنا وكذلك لأمانة عمان. يوجد عندنا اكبر جهاز إداري حكومي قياسا بعدد السكان. ومع ذلك فان إنتاجية هذا الجهاز ما زالت محدودة جدا ومحكومة باعتبارات لا يجوز الحديث عن كثير منها. لو أخذنا أمانة عمان الكبرى مثالا، فقد كانت نموذجا في التخبط في الإدارة. ففي الوقت الذي اكتشفت فيه دولة مثل بريطانيا، وهي دولة عظمى، أن تجربة البلدية الكبرى تجربة فاشلة وذات مردود خاسر، تراجعت وفككت بلدية لندن الكبرى وعادت إلى البلدية الأصلية. في ذلك الوقت، تجاسرنا نحن وأنشأنا عمان الكبرى.
وبقينا نوسع فيها ونكبرها وننفخها ونزيد إليها بلدات وقرى مجاورة بهدف تنفيع البعض ورفع أسعار أراضيهم وتضخيم موازنة الأمانة ومضاعفة نفقاتها لكي تضيع المسؤوليات وتنتفي المحاسبة الدقيقة. ما يقال حاليا عما يجري في أمانة عمان ليس نتيجة خطا شخص واحد. فالأمين قد يكون مخلصا اشد الإخلاص ونظيف اليد على أفضل ما تكون نظافة اليد ولكن التضخم والتوسع والانتشار والمسؤوليات الممتدة بشكل لا تحتمله عمان ولا أمانة عمان تفسح المجال لكل أشكال الفساد أن وجد أو التقصير أن وقع. لحماية عمان وإنقاذ بلديتها، لا بد من الرجوع عن غلطة التوسع التي قد تتسبب في انهيار الأمانة. فلتعد عمان إلى حجمها الطبيعي بمناطقها الاصلية. وتعود البلديات الأخرى إلى حجمها وتعود لاستقلالها عن أمانة عمان. وليس لعمان مصلحة في رفع أسعار أراضي القرى والبلدات المجاورة لينتفع بها بعض أصحاب المصالح الأنانية.
يمكن لأمانة عمان أن تساعد البلدات المجاورة بمدها بالخبرات اللازمة أما أن تتوسع عمان بهذا الشكل فهذا ليس في مصلحتها. التلفزيون الأردني أيضا، بدا خرابه عندما توسع بضم الإذاعة إليه وصار جهازا متضخما بمسؤولياته وعدد المنتسبين إليه. وهكذا في كثير من الدوائر والأجهزة التي توسعت بدون سبب منطقي. لو تحدثنا عن الجهاز الحكومي والوزارات لوجدنا العديد من الوزارات التي لا لزوم لها.
لا لزوم لها ليس لأنها مقصرة أو غير مهمة بحد ذاتها، بل لأنه يمكن وبكل بساطة الاستعاضة عنها أما بدوائر في وزارات أخرى أو في مجالس وطنية أو هيئات. لنأخذ على سبيل المثال وزارات الثقافة، والشباب، والتعليم العالي، والسياحة، والتنمية الإدارية، والتنمية السياسية والشؤون البرلمانية. وكذلك الهيئات التي لا لزوم لها والتي تعيق عمل الوزارات، فهي كثيرة. ومنها هيئات التنشيط أو هيئات التنظيم أو هيئات التشجيع. وكلها معوقة لعمل الوزارات ولا تنجز شيئا مميزا يبرر وجودها. ولكن يبدو أن هذه الوزارات التي تشكل حمولة زائدة وكذلك الهيئات إنما وجدت لتنفيع البعض أو ترضيتهم بغض النظر عن المنافع الوطنية أو المصلحة العامة. لا أريد أن أتصور أن رأيي في هذه الوزارات الزائدة هو الرأي القاطع ولكن لماذا لا يشارك المفكرون وأصحاب الخبرات بإبداء الرأي في فكرة تحويل تلك الوزارات الزائدة إلى مجالس وطنية. ما المانع أن يكون مجالس وطنية غير مرتبطة بتشكيلة الحكومة بحيث تضع الخطط طويلة المدى وتنفذها ويكون جهازها التنفيذي مستقل يعمل لخدمة الدولة والوطن دون الخضوع لأهواء وزير أو سياسة جهة ما.
هل نحلم بإنشاء مجلس وطني للشباب والرياضة؟ مجلس وطني للتعليم العالي؟ مجلس وطني للسياحة والآثار؟ مجلس وطني للثقافة والفنون والآداب؟ هلن نحلم بشطب هيئة تنظيم كذا أو كذا. عشرات الهيئات التي لا لزوم لها ويمكن الاستعاضة عنها بدائرة في الوزارة المعنية. هل يمكن أن نفهم ماذا تعني هيئة تنظيم قطاع النقل العام؟ ماذا تعني هذه الهيئة بوجود وزارة للنقل يرأسها وزير عضو في مجلس الوزراء؟ أو هيئة تنظيم قطاع الاتصالات بوجود وزارة للاتصالات؟ اعتقد أن الوزراء يخجلون من القول أن هذه الهيئات تعيق عملهم، ولان كثيرا من الوزراء وجدوا انفسهم في هذا المنصب دون أن يسعوا إليه أو يجتهدوا من اجله نراهم يصمتون سعيا وراء المكاسب التي يعرفها الجميع. هل يمكن لوزير مجتهد جريء أن يعلن رأيه في هذه الهيئات التي يتقاطع عملها مع عمل وزارته؟ أما وزارات الحمولة الزائدة فهي وزارات التنمية الإدارية والتنمية السياسية والشؤون البرلمانية. فالتنمية الإدارية أصلا منوطة بمجلس الخدمة المدنية الذي من مهامه الأساسية استقطاب الكفاءات للجهاز الإداري العام ومراقبة الأداء الوظيفي. طبعا هذه المهمات تكاد تتضاءل الآن أمام مهمات المجلس الحالية في ضبط الدور للمتقدمين للوظيفة ومراعاة العديد من المعايير التي قد تضيع معها الكفاءات مقابل الواسطة والمحسوبية ومراعاة التوزيع الجغرافي. أما وزارة التنمية السياسية، ومع كل الاحترام لمن اقترحها أو من شغل حقيبتها أو يطمح إلى ذلك، فإنها وزارة لزوم ما لا يلزم.
لقد كان الأردن في الخمسينات والستينات مدرسة في السياسة كان فيها زعماء وطنيون قدوة لكل البلاد العربية، والآن ننشئ وزارة لتقوم بمهمة التنمية السياسية؟ هل كان تراجعنا في السياسة أم في السياسيين؟ لا يمكن للتنمية السياسية أن تكون من خلال وزارة. فالسياسة ليست مسالة ملموسة يمكن قياس مدى نموها أو تقدمها أو تراجعها. السياسة حالة وطنية وممارسة يومية. وإذا قصد من الوزارة أن تعمل على رفع الوعي السياسي عند المواطن فإنها كمن يبيع الماء في حارة السقايين. فالشعب الأردني سياسي حتى العظم.
لكنه يبدو انه يرغب الآن في معاقبة السياسيين فاستنكف عن المشاركة في الأحزاب وكذلك في الانتخابات لأنه بات يرى أن الوضع لم يتغير سواء بوجود الأحزاب أو بدونها وحتى بوجود مجلس نواب أو بدونه. بل أن البعض يرى أن مرحلة الأحكام العرفية ربما كانت أفضل وأكثر انفتاحا سياسيا واقتصاديا من المرحلة الحالية. وكذلك الحال مع وزارة الشؤون البرلمانية. فهي وزارة لا لزوم لها. ويمكن لمكتب بسيط في رئاسة الوزراء أن ينسق ما بين الرئاسة والمجلس وبكفاءة أكثر بكثير مما هو حاصل الآن. التنمية والتطوير في المملكة بحاجة إلى جهد وفكر وابتعاد عن المحسوبية والمصلحة والأنانية.
بحاجة إلى إعادة نظر في كثير من القوانين المعمول بها بحيث تكون نتيجة تلك التعديلات مصلحة الناس دافعي الضرائب وليس المتنفذين أصحاب المصالح