عندما خشيت أن أتعثر على الدرج
رند ابوهلالة
19-11-2016 03:36 AM
مشاعري متداخلة في اليوم الذي يسبق تخرجي حيث كنت سعيدة بانتهاء المدرسة، فصل طويل من حياتي لن يغادرني. كنت فيه طفلة متحمسة قنوعة بأنها تملك ما يكفي من معرفة وتجارب، وغادرتها وأنا أعرف أنني لا أعرف، وأن هناك المزيد.
المزيد من الأسئلة التي -على عكس أسئلة الامتحان- سنقيّمها بأنفسنا، لن نعرف الإجابات دائماً وستلح علينا الكثير من الأسئلة؛ ماذا ستكون مهنتنا؟ وماذا سندرس؟ في أي بلد؟
يراودني كثيرا سؤال "في أي بلد؟". أنا أسكن في الدوحة منذ أكثر من سنة. وقد عشت في الأردن طوال حياتي، ومن السابع بدأت دراسة البرنامج البريطاني (IG)، ليس أمامي خيارات كثيرة في قطر، بما أنه بلد صغير فيه المدينة التعليمية، فيها عدة جامعات كل جامعة تدرّس تخصصا، وهناك أيضاً جامعة قطر التي تدرّس عددا من التخصصات. في الأردن يوجد الكثير من الجامعات لكن إذا درست في الأردن سأكون بعيدة عن عائلتي كما الحال في الدراسة في بلدان أخرى.
رغم كل الإيجابيات لم تكن تجربتي المدرسية مثالية، بل أعتقد أنها كانت أسوأ من تجربة الكثير من الناس مما جعلني أتمنى فرصة أخرى
لكن في الطرف الآخر، الدراسة في الخارج فيها نوع السفر لبلدان أخرى، وهو ممتع وفيه شيء من التغيير، رؤية أماكن جديدة، تذوق أطعمة مختلفة، وأجمل شعور هو الشعور بالحرية وأن تكون إنسانا مستقلا، وقليل من الأشياء تمنح هذا الشعور خصوصا في فترتي العمرية. لكنني لست مستعدة الآن لترك منزل العائلة.
غادرتني المدرسة بدرس في المسامحة، وصداقات قوية، فاختلاف الناس يعد عاملا من عوامل النزاع حيث لا يمتلك الجميع النضج الكافي لتقبل الاختلاف. لكننا نكبر ونتعلم أن نسامح.
ما لم أتعلمه هو أن ألتزم الصمت مدة ٤٥ دقيقة، أتذكر كل تجارب المعلمات في محاولة منعي من الكلام الجانبي، جلست بجانب الكثير من الطالبات الهادئات و تلقيت الكثير من التهديدات، حتى أنني تلقيت أشد تهديد وهو أن أذهب للصف المقابل لنا، ونفذت معلمتي التهديد، وأستطيع القول إنني شعرت بالإحراج لأن سمعتي وصلت للصف المقابل.
كان تقديري ممتازا (91.7%) في مرحلة الـ(O level)، ولم يكن التحصيل الدراسي سببا في عدم ارتياحي، بل أردت عيش تجربة أجمل، وأن أحافظ على صداقات وأن أنهي علاقات خربت جزءا من تجربتي.
أن أعطي بعض المواد فرصة وأن تعطيني المدرسة فرصة للتطور في أشياء مثل الفن حيث لم يكن هناك حصص رسم في الصف التاسع والعاشر والحادي عشر. وخلال الصفوف كنا نأخذ ما هو اقرب للأشغال الفنية، فلم نتعلم عن الرسامين وتذوق الفن، ولم أتعلم الكثير من تقنيات الرسم. شيء آخر هو العمل التطوعي حيث لم يعط اهتمام كافيا في مدرستي، لكننا قمنا بأعمال تطوعية مختلفة.
في اليوم الذي يسبق تخرجي قررت أنني لا أريد الذهاب للحفل (أهلي كانوا متفهمين ولم يجادلوني). وشغلت نفسي بالتفكير في المدرسة والتجربة "المأساوية" التي مررت بها، تذكرت المواقف المحزنة، والمواقف المحرجة، وكل شيء سلبي.
في محاولة لصرف تفكيري عن الخوف والتوتر من ترك المدرسة التي ألفتها وألفتني، طابور صباحي في مدرستي السابقة وغرفة المعلمة في المدرسة الثانية ، وكيف كنت أتأخر تقريبا كل يوم. النقاشات المطوّلة والمحتدمة مع معلماتي سواء أحببتهن أم لا، وانتهاء النقاش بفوزي أو مجرد خلق جو ممتع في الحصة. الحفلات التي تقام في الوقت الذي بين الحصص، التفنن في تضييع وقت الحصة والانحراف عن الموضوع بطرح أسئلة خصوصية حيث يحب الجميع التحدث عن أنفسهم، أو أسئلة عشوائية بحتة.. أشياء ستبقى في الذاكرة.
انتهت رحلتي المزرية والجميلة بحفل تخريج رائع. ذهبت ببنطال جينز وحذاء رياضي -كما فعلت صديقتي- إلى البروفة، و كان جميع الفتيات بأرواب التخرج أو العبايات، لكني تداركت الأمر وتأنًّقت للحفل الرسمي. كان خوفي هو التعثر على درج المسرح. الحفل كان جميلاًً جداً، وجود بنات صفي معي وأمي (التي بكت دموع الفرح كما جرت العادة) وأبي وأخواتي وصديقتي.. التقطنا الكثير من الصور و"خلصت السنه يا مدرستي..".
سأمضي نحو عالم مختلف بالرغم من أنه ليس من اختياري تماماً، فبعض الأشياء يحين وقتها، ألا أنني أحاول أن أختار بشجاعة.
الوضع صعب على الجميع، الكل ينتظر العلامات و القبول، أما أنا فأفكر بإجابة دبلوماسية لسؤال "ماذا ستدرسين؟". في عمر الثامنة عشرة سنقرر ماذا سنفعل في الستين سنة القادمة. ما يطمئن هو أن تلك الفرضية خاطئة معظم الوقت. فقد ندرس شيئا ونعمل شيئا آخر.
في سننا نحمل مسؤولية أكبر من عمرنا، فيجب أن نتعرف على أنفسنا وعلى العالم من حولنا بشكل كاف و أخذ وقت للتفكير بعد أن قطعنا جزءا كبير من حياتنا. الرحلة الاستكشافية يمكن أن تكون في سنة استراحة. وهو خيار مناسب يخاف كثيرون منه، التمهل بالنسبة لهم تضييع وقت، بالنسبة لي فرصة أوسع للتأمل في الخيارات حتى لا أتعثر على الدرج!
نحو العالم الجديد نأخذ كل ما علمتنا إياه الحياة ونتمنى أن تكون تجربة أجمل.
مدونات الجزيرة.