البيان الحكومي .. الوظائف والمضمون
د. صبري ربيحات
18-11-2016 03:27 AM
يُستخدم مفهوم البيان الحكومي للإشارة إلى الخطاب الشامل الذي تتقدم به الحكومة، بعد تشكيلها، لمجلس النواب، للحصول على الثقة؛ وذلك خلال الشهر الأول من تأليف الحكومة إذا كان المجلس منعقدا، أو في الشهر الأول من الدورة الأولى للمجلس الجديد إذا ما جرى تأليفها وكان المجلس منحلا. وقد نصت المادة 53 من الدستور على المواقيت والحالات والإجراءات التي ينبغي اتخاذها تنفيذا لهذا الاستحقاق.
غالبا ما يشتمل بيان الحكومة على رؤيتها للتحديات التي تواجه البلاد، وأولوياتها في مجابهة هذه التحديات والتصدي لها، بما في ذلك السياسات التي ستتبناها والتشريعات التي قد تحتاج لتقديمها والبرامج التي ستطلقها.
البيان الذي تقدمت به حكومة الدكتور هاني الملقي كان طويلا وشاملا، حاول المرور على كل القضايا والهموم التي تشغل المواطن الأردني.
وبصرف النظر عما يتناوله الإعلام أو صالونات التنظير السياسي، فإن الوضع الاقتصادي وتنامي معدلات البطالة، يقعان في مقدمة هموم الأردنيين.
فباستثناء الفئة القليلة الميسورة، من الصعب أن تجد في الأردن بيتا لا يشكو من البطالة وضيق حال اليد. فالمداخيل الشهرية توقفت عن النمو منذ أعوام، والتعليم الجامعي الذي كانت تتحمل أعباءه الدولة أصبح عبئا على اقتصادات الأسر المتآكلة.
كما أن مستوى الخدمات في السنوات القليلة الماضية تردى، بحيث أصبحت الشوارع مكتظة والأزمات خانقة، ونظافة البيئة ونوعية الغذاء متردية.
وأيضا تراجعت نوعية الخدمات التعليمية فأغلقت مئات الصفوف بحجة أن ذلك سبب في ارتفاع معدلات الرسوب، وأصبحت أعداد الطلبة في بعض الصفوف الدراسية تربو على الخمسين طالبا. وأضحى المواطن يتلقى خدمات صحية بمستوى أدنى مما كان يتلقاه في سبعينيات القرن الماضي، بعد أن أصبح يتنافس على منافذ الخدمة مع اللاجئ السوري والزائر اليمني وطالب الاستطباب السوداني.
في البيان الحكومي الشامل الذي تقدم به دولة الرئيس، إشارة إلى نية الحكومة التوسع في برنامج التشغيل، وتخصيص 80 مليون دينار لدعم مشروعات التشغيل، وتوحيد مرجعية الصناديق وإعطاء الأولوية لمناطق البادية والمحافظات. وبالرغم من أهمية هذه التوجهات التي تعكس وعيا بحجم المعاناة، إلا أنها بقيت أقل من طموحات الأردنيين الذين تآكلت مداخيلهم وزادت مخاوفهم من الزحام على فرص العمل النادرة. وفي البيان حديث عن المياه والطاقة والأسعار والدعم والإعلام والثقافة والشباب والتعليم وسوق العمل؛ وفيه لغة إيجابية وروح مفعمة بالصدق والحماس، لكنه خلا من المؤشرات الرقمية الدقيقة التي يمكن أن تساعدنا في التعرف على مستوى إنجاز الحكومة عند كل محطة من محطات تقييمها.
كنا نتمنى لو خُصص جزء من الخطاب الطويل للحديث عن أعداد الطلبة الذين سيجيدون القراءة والكتابة، خصوصا أن وزير التربية والتعليم كان بارعا عندما قال لنا قبل 3 سنوات إن هناك أكثر من 120 ألف طالب لا يقرأون ولا يكتبون.
وكنا نتوقع أن يقول لنا الرئيس عن نسبة النمو الاقتصادي الذي ستحققه سياسات حكومته، وعن نسبة الانخفاض المتوقعة في البطالة التي أصبحت عند 14 % حسب بيانات الحكومة. وكنا نتمنى أن يقول لنا الرئيس عن النتائج المستهدفة لهيكلة سوق العمل الذي قال دولته إن من العار أن يكون لدينا مئات آلاف العمال غير الأردنيين في حين يشكو مئات آلاف الأردنيين من البطالة.
في الأيام القليلة المقبلة، سيتناول النواب البيان الحكومي بالنقد والإشادة والتحليل. وستنال الحكومة الثقة. لكن من دون معايير ومؤشرات رقمية، سيظل الجميع؛ حكومة ومواطنين وإعلاما، يخمّنون حول ما إذا نفذت الحكومة برنامجها. وسيحتدم الجدل الذي قد يكون منصفا لجهود الحكومة بعد رحيلها.
أعرف أن من الصعب تقديم نسب وأرقام في بيئة إقليمية وعالمية متغيرة. لكن ذلك ليس صعبا على رئيس أمضى جل تاريخه المهني في مؤسسات تعنى بالعلوم والتكنولوجيا والقياس والتخطيط. ونتمنى للحكومة ومجلس الأمة، وجميع مكونات مجتمعنا، التوفيق لتجاوز الظروف الصعبة والبناء على ما تحقق وصولا إلى الأهداف الوطنية
الغد