1 – بدخول الدين على خط الصراع في بلداننا العربية ، أصبح المشهد العام (موحشا) و خطيرا، ووجد -للأسف- من يوظفه في اتجاهات مختلفة، واختفى صوت العقل تماما، وبدل أن نجد في (الدِّين) حلولا لمشكلاتنا ودليلا يرشدنا الى الصواب وجدنا أن من يتحدث باسمه و يستخدمه قد حوله الى (مشكلة) أضرت بالدِّين أولا و بالمجتمعات ثانيا و بالدولة و الأمّة أيضا.
2 – اذا سألتني لماذا لم ينجح “الاسلام السياسي” في تجربة الحكم ، سأجيب على الفور بأن السبب الأبرز والأهم هو عدم قدرة من يحملون مشروعه على الوصول للمجتمع بفهم حقيقي “للتدين” ومقاصد الدين، وبناء المجتمع والانسان على هذا الفهم، فقد وصلوا للحكم قبل أن يصلوا للمجتمع، وحملوا السياسة باسم الدين قبل ان يتحققوا من أن جمهورهم “المتدين” قد أدرك مقاصد السياسة في الدين، وبهذا خسروا نصف “جمهورهم” من المتدينين، فيما أصبح النصف الآخر عبئاً عليهم لأنه لم يستطع ان يتجاوز مصلحة التنظيم لمصلحة المجتمع الذي ضل طريقه اليه.
3 – عملية الفصل (المتعمدة) أحيانا التي جرت بين (الاحكام) و(المبادئ) في الحقل الفقهي أضرت بالاسلام، خذ مثلا الارتباط بين مختلف ( العبادات) والتكاليف وبين ما يترتب عليها من أفعال واخلاق، ستلاحظ بأن فقهنا في المجمل انشغل بتفاصيل الحكم الفقهي واعتبره اساسا ومعيارا للحكم على الاداء الديني (التدين) فيما لم يحظ الشطر الثاني – وهو الاخلاق- الاّ بنصيب قليل من الاهتمام، ومن يرصد اسئلة (الجمهور) المتدين في شهر الصيام مثلا سيلاحظ بأنها تنصب على شروط صحة الصوم و المفطّرات، لكن من دون الاشارة الى (مقتضيات التقوى) ، فالقطرة في العين مثلا تدرج في باب المفطرات لكن (الكذب) لا يعتبر كذلك، وهذا ينطبق على ( الصلاة) التي قد تبطل بسبب تعدد حركات المصلي لكنها لا تبطل اذا كان المصلي أدّاها بعد اداء شهادة زور..أو سرقة مال عام.
4 – الذات المجروحة تتطلع دائما الى البحث عن (الاسطورة) و الحلم، وتحاول ان تنتقم من الواقع بكل مالديها من وسائل ، وغالبا ما تضع نفسها في (سجن) الفكرة الواحدة وتنشغل بها، لكن هذه الذات تحولت أمام بريق ( الذهب) الى ذات لا نكاد نعرفها ، وكأنها استحضرت ما بداخلها من صور ( البؤس) مرة واحدة لادانة حالها وحال المجتمع، وتفريغ احساسها المتراكم ( بالغبن).
5 – من حق الانسان العربي ان يسأل: هل الحزن صناعة عربية بامتياز ، وهل اختصرت “كربلاء” تاريخنا فأصبحنا نطل من خلال نوافذها على عوالم اللطم والندب والبكاء فقط ، هل عجز الانسان في بلادنا عن ابداع قيما للفرح ونماذج للابتسامة وتعابير خاصة بالضحك ؟ اين علماء الاجتماع الذين لم تتح لهم منذ قرون مثل هذه المهادات البحثية ليبتدعوا لنا نظرياتهم في تغير حال الناس والعمران وافول نجم السعادة؟
6 – لا يهم ان يكون العالم مدينا لما انجزته حضارتنا من اكتشافات، المهم ان يعرف ابناؤنا ان حضارتنا قبل احد عشر قرنا كانت في المقدمة، وان علماءنا لم يمنوا على غيرهم بما وصلوا اليه، ولم يتعمدوا الاساءة الى ذلك التخلف الذي كان غيرهم فيه.. فالحضارات تستمد من بعضها اسباب الحياة والتقدم.. والبشرية لم تبدأ بأوروبا ولن تنتهي بها.. ولكن اليس من واجبنا ان نعرف من نحن..وان نقرأ تاريخنا حتى لو كان مجرد اغنيات للاموات .
الدستور