الكورد والعرب تاريخ من امتزاج الدماء والوطن والمصالح المشتركة
سارة طالب السهيل
17-11-2016 10:53 PM
جاء تحدي وحش الارهاب الداعشي رغم أخطاره الجسام في العراق فرصة إلهية لتأكيد التعاون وتجديد أواصر التعاون بين الكورد و العرب مجددا، وانتصارا لحق الانسان في الحياة بأمن وسلام على أرض الموصل واستئصال شأفة الارهاب الذي يقضي على الاخضر واليابس ولم يرحم طفلا او عجوزا او مريضا.
وفي لحظة انسانية وتاريخية فارقة يمتزج دم الكوردي بأخيه العربي في لحمة انسانية واحدة لتحرير الارض وحماية الابرياء من سكان الموصل، حيث تقاتل قوات البيشمركة مع قوات الجيش العراقي الاتحادية صفا واحدا ولا فرق في هذا الصف بين عربي وكوردي، في مواجهة عدو مشترك للانسانية وهو داعش.
وكما يقال في الاثر الشعبي ان الاصيل هو من يظهر معدنه وقت الشدة، فقد تجلت أصالة الكورد وهم يصطفون بجنودهم البواسل الي جانب جنود العراق في معركة فاصلة لابد وان ينتصر فيها خير الالتحام الانساني على الشر الشيطاني الداعشي.
وقراءة المشهد على الصعيد السياسي له دلالات كثيرة وعميقة من أبرزها في اعتقادي ان التعاون بين الكورد والعرب للقضاء على داعش قد جري بتنسيق سياسي أعلى مستوى، ولم يبحث الكورد فيه على دور الزعامة بقدر ما سعوا إلى تحقيق نجدة اخوانهم العرب في الموصل تحت امرة القائد العام للقوات المسلحة العراقية حيدر العبادي.
ولعله مما يبرهن على ان الجندي الكوردي يتقاسم أخيه في ساحة القتال المأكل والمشرب والنوم و قتال الدواعش بنفس واحدة وروح واحدة ليعكس بذلك مؤشرا سياسيا خطيرا وهو تعاون الكورد والعراق معا في الحفاظ علي وحدة العراق ضد مؤامرات التفتيت و التقسيم.
وهذا التعاون المخلص للكورد مع عرب العراق قد ساهم بشكل كبير في تحقيق مكاسب عسكرية على الارض بتحرير مساحات شاسعة من الارض من قبضة الدواعش.
روابط تاريخية
وتمتد اواصر العلاقات الكوردية مع العرب لمئات السنين، فقد اتصل العرب المسلمون بالأكراد لأول مرة بعد فتح مدينتي تكريت وحلوان التي كان الملك الفارسي يزدجر معسكرا فيها سنة (16هـ/637م)، وغدت كوردستان بعد الفتح الإسلامي جزءاً من الدولة الإسلامية مع حلول عام 25هـ/645م، وأصبح الكورد ضمن نسيج المجتمع الإسلامي المتنوع، يشتركون في جيوش الفتوحات، وينتظم بعضهم في حلقات العلم والدرس.
ويقال بأنه كان هناك اتصال اسبق بين الكورد والعرب، فيذكر أن أحد الصحابة الكورد المدعو ( چاڤان الكردي)
عاش في مكة المكرمة وصحب النبي محمد عليه السلام، وظهر بعده ابنه التابعي المدعو(ميمون بن چاڤان الكردي) الذي روى عن أبيه بعض الأحاديث النبوية الشريفة.
واستطاع الكوردي صلاح الدين الأيوبي ( الذي ينتمي لقبيلة الزراري و هي القبيلة الكورديه المعروفه إلى يومنا هذا) سنة 567هـ/1171م ضم إقليم الحجاز لكي يعيد الحجاز إلى نفوذه، ويتم سيطرته على تجارة البحر الأحمر.
ويحفظ للأيوبيين حمايتهم للأماكن المقدسة في مكة والمدينة المنورة من الهجوم الذي خطط له الإفرنج الذين استولوا على بلاد الشام، ففي سنة 577هـ/1181م قاد صاحب الكرك الصليبي (ارناط) حملة عسكرية بهدف احتلال الحجاز وبسط نفوذه على البحر الأحمر والسيطرة على تجارته المزدهرة وخاصة خلال موسم الحج، لكن الأيوبيين أفشلوا خططه بهجومهم على حصن الكرك والاستيلاء عليه، ونهب أمواله، ما دعا ارناط إلى الرجوع مسرعا إلى إمارته في الكرك.
ولما أعاد ارناط حملته العسكرية مجددا ووصل إلى ( ينبع) شمالي الحجاز، واقترب من المدينة المنورة، أمر صلاح الدين أخاه الملك العادل بإرسال الأسطول لمواجهة للإفرنج، وقد استطاعت هذه الحملة من تحطيم الأسطول الإفرنجي، وأسرت أكثر من ثلاثمائة جندي قتلوا بأمر صلاح الدين في الإسكندرية عام 578 هـ / 1182م ليحقق صلاح الدين السيادة على البحر الأحمر، وحماية الأماكن المقدسة في الحجاز.
تحرير القدس
وقاد صلاح الدين الايوبي الكوردي جيشه لتحرير مدينة القدس من الصليبيين في معركة حطين، حيث انقض الأيوبيون على الجيش الصليبي ومزقوا صفوفه، واستمرت المعركة ساعات طويلة، ووقع الملك غي آل لوزينيان وأخوه وأرناط صاحب الكرك وغيرهم من كبار الصليبيين بالأسر.
وبعد فتح صلاح الدين لمدن الساحل توجه إلى القدس لفتحها، ووصلها يوم الخميس في 11 رجب سنة 583 هـ، واستمر في الحرب لمدة 14 يومًا، ولما رأى صلاح الدين أن الحرب ستكون شديدة ولم يقدر على احتلال مدينة القدس، أحضر يوسف البطيط، وهو رجل مسيحي أرثوذكسي مقدسي، وكان له معرفة بأمراء مسلمين وفرنجة، فطلب منه أن يتفق مع المسيحيين الأرثوذكس من عرب وروم يوعدهم بالخير والعفو عنهم إذا لم يساعدوا الفرنجة في القتال وأن يسلموا المدينة لصلاح الدين من الجهة التي يسكنون بها في القدس، وبعد تحديد قيمة الجزية دخل صلاح الدين المدينة في ليلة المعراج يوم 27 رجب سنة 583 هـ، الموافق فيه 2 أكتوبر سنة 1187م، وقد ابتهج المسلمون ابتهاجًا عظيمًا بعودة القدس إلى ربوع الأراضي الإسلامية والخلافة العباسية.
الكورد والثورة العربية
ولعب الأكراد دورا مهما في الثورة العربية الكبري "1916-1918" التي انطلقت لمواجهة الاستبداد والطغيان التركي والمطالبة باستقلال العرب عن الاتراك، وسرعان ما شارك أكراد سوريا ولبنان والعراق في إرهاصات الحركة العربية، ووقع كل من زعيم أكراد دمشق عبد الرحمن باشا اليوسف، والزعيم الكردي في مدينة حماة خالد البرازي، والأمير اسعد الأيوبي في جبل لبنان على وثيقة تطالب الشريف حسين بإعلان الثورة ضد الأتراك.
وبعد أن أعلن الشريف حسين بن علي أمير مكة الثورة ضد الاستبداد التركي، وجاهد في استقلال العرب وحريتهم، فقد انضوى تحت راية لواء الثورة العربية الكبرى عدد من القادة والجنود الكرد وقاتلوا في صفوفها حتى حققت الثورة انتصاراتها الباهرة على الأتراك وطردتهم من البلاد العربية، وكان يقف في مقدمتهم جعفر باشا العسكري وجميل المدفعي ورشيد باشا المدفعي.
رغم خيبات الأمل
بعد أن تم التوقيع على اتفاقية الحكم الذاتي للكورد بين الحكومة العراقية والزعيم الكوردي المغفور له الملا مصطفى البارزاني في 11 مارس 1970
لكنها سرعان ما تم إلغاؤها بعد انقلاب قيادة حزب البعث على اتفاقية الحكم الذاتي عام 1974م وتوقيعهم لأتفاقية مع شاه إيران تتنازل العراق عن شط العرب وعن المطالبة بالأحواز مقابل توقف الدعم العسكري واللوجستي الكورد
وبالرغم من خرق الحكومة العراقية لتعهدها بإعطاء الكورد حقوقهم القومية والمشاركة في الحكومة العراقية واستعمال اللغة الكوردية في المؤسسات التعليمية لم يتخلى الكورد عن روابطهم ومسؤولياتهم اتجاه العرب الذين تجمعهم بهم الجيرة و التاريخ و الدين و المصير المشترك و القرب الاجتماعي و صلة النسب .
وطالما حارب الكورد مع اخوتهم في الجيش العراقي جنبا إلى جنب و صفا واحدا ضد أي محتل أو معتدي على البلاد
و لم تفرق مقابر الشهداء بين كوردي وعربي و لا دموع الأمهات العربيات و الكورديات التي اجتمعت مطرا روى أرض العراق فأنبت وطنا
و من أجمل صور المحبه و التآخي بين الكورد والعرب هو مشهد استقبال البرزاني الخالد ملا مصطفى عند عودته للعراق من الإتحاد السوفيتي في البصرة
وبالرغم من بعض الذكريات المخجله في التاريخ العربي وفي كل أنحاء العالم هناك مشاهد للظلم لفئات أو مجموعات ومنها
في زمن الرئيس عبد السلام عارف عندما طلب فتوى من جميع علماء الدين باباحة دم الكوردي
و قد أفتت الأغلبية بذلك عدا المغفور له محسن الحكيم و بذلك فشلت تلك المساعي النازية
ووفاء من الرئيس مسعود البرزاني بعد سقوط نظام صدام اول زياة قام بها للنجف لزيارة قبر المرحوم سيد محسن الحكيم و قد تم تسمية شارع على اسمه في أربيل
وهذا يعني أن المساعي السيئة و الظالمه لم تؤثر بالعلاقات الطيبة و أخذ الطرفين بالمثل أن الخير يعم و الشر يخص و ليس العكس
الكورد في سوريا
تحديدا في عام 1919 ابان الانتداب الفرنسي على سوريا قام الكورد بانتفاضات متتالية ضد الوجود الفرنسي في سوريا. كما كان لهم شرف نيل إطلاق أول رصاصة في المعركة التي جرت في منطقة سهل العمق, حيث كان (محمد أيبوش اشو الكوردي) وهو من مواليد كرداغ, أول رصاصة في مسلسل الثورات السورية. وانتفاضة (إبراهيم هنانو) 1920 في شمال سوريا في منطقة ادلب وأريحا, ورفض عرض أقامة دولة كوردية في شمال شرق سوريا،إذا كانت مقابل تخليه عن محاربة الفرنسيين في سوريا. فقد كان الكورد يؤثرون مصالح البلد عامة عن مصالحهم الشخصية رغم الاضطهاد الذي كان يمارس ضدهم في كثير من الحقب الزمنية
الكورد و مصر
لم يكن انشاء اول صحفيه كوردية في مصر باسم كوردستان صدفه و إنما هو إرث لعلاقات مصرية كوردية قديمه
فأول صحيفة كردية صدرت في مصر كان عام 1898 وفي مصر ظهر كثير من الكتاب والأدباء من جذور كردية و فنانين و قضاة و باحثين
إلا أن العلاقة اقدم من هذا بكثير فهي تعود إلى الميتانيين(الحورببن)
الذين يعتبرون أجداد الكورد
و عرفوا بمصر قديما باسم النهريين
حيث كانت العلاقات في أوج زهوها في عهد الملك الميتاني توشرنا عام 1390 قبل الميلاد و قد كان يوصف بالملك الصديق لمصر
و قد زوج إحدى بناته إلى الملك الفرعوني امنحوتب الثالث وهي الملكة الشهيرة نفيرتيتي
و قد كانوا الكورد عونا لمصر القديمه في الشدة و الرخاء
و استمرت العلاقات حتى عصر ابراهيم باشا الذي يقال انه أيضا من أصول كوردية و ليس ألباني فقد ولد والده في ألبانيا لجذور كوردية
ربما كان هذا دافعا لعقد المعاهدة بين أمير سوران كور باشا سنة 1883 و ابراهيم باشا والي مصر ضد السلطان العثماني
كما ساعدت مصر الكورد في إبان الحكم العثماني بصناعة الأسلحة و كان ذلك في مدينة راوندوز في كوردستان
كما أنه لا يمكن أن ننسى سليمان الحلبي وهو البطل الكوردي الذي قضى على كليبر قائد الجيش الفرنسي عام 1800
و هكذا كان العرب و الكورد معا للدفاع عن الأرض و الوطن و الاهل
الكورد وفلسطين
يربط الشعب الكوردي بفلسطين ارتباطا تاريخيا، وهذا الارتباط يفسر الدور المشهود للعديد من الجنود والضباط والمتطوعين الكورد من العراق في معارك فلسطين منذ النكبة وحتى الآن ومقتل رجال من هؤلاء على خطوط الجبهة.
ومن هؤلاء الكورد المرحوم المقدم أمين عزيز بابان، كان قد آمر الفوج الأول لواء الخامس المشارك في حرب فلسطين عام 1948م، حيث شاركت المملكة العراقية بقوة تضم 2500 فرد بقيادة العميد محمد الزبيدي وقد أرسلت القوة إلى شرق الأردن في 29 إبريل 1948م، وبعد انتهاء الحرب قام المغفور له جلالة الملك عبدالله ملك المملكة الأردنية الهاشمية وبرفقته سمو ولي عهد العراق الأمير عبد آلاله بتكريم المقدم أمين عزيز بابان ومجموعة من الضباط العراقيين ومنتسبي القوات المسلحة العراقية لأدوارهم البطولية بأنواط الشجاعة وميداليات المشاركة بحرب فلسطين.
وكانت الحركة السياسية الكوردية ومنذ ظهورها تحتفظ في برامجها مكانة خاصة لفلسطين والقضية الفلسطينية، خاصة وان قيادة منظمة التحرير للقيام بدور الوسيط لإيجاد حلول سلمية بين الحركة الوطنية الكوردية العراقية والحكومات العراقية المتعاقبة، وحققت خطوات وفي بعض المراحل وبالتنسيق مع الجبهة الكردستانية - في العراق، كما أنها قطعت الطريق في أوقات عديدة على مخططات ومشاريع كانت تهدف إلى توطين الفلسطينيين في مناطق كردية في سوريا والعراق.
وبعد عودة قيادة منظمة التحرير إلى فلسطين وإقامة السلطة الوطنية الفلسطينية ظلت وفية لمبادئها وشهدت العلاقات الثنائية نقلة نوعية جديدة بافتتاح مكتب للحركة الكوردية هناك واعتباره وبعد التوصل إلى الحل النهائي الرسمي وإعلان الدولة الفلسطينية المستقله كممثلية ذات صفه رسمية لحركة التحرر الوطني الكوردية.
كما بادر رئيس منظمة التحرير ياسر عرفات إلى رعاية المؤتمر التأسيسي لجمعية الصداقة الفلسطينية - الكوردية التي أقيمت في صيف 1999 في رام الله وهي أول جمعية صداقة عربية - كوردية في العصر الحديث، حيث قابله الجانب الكوردي بإقامة أول جمعية صداقه كوردية - عربية في أربيل بكردستان في عام 2000 ، ويشار إلى أن هذا التقارب الفلسطيني - الكوردي (العراقي)، قد إزداد بعد زيارة تاريخية للرئيس الفلسطيني محمود عباس لإقليم كوردستان في نيسان أبريل 2009، بكونه أول زعيم في العالم يزور الإقليم بصفته الرئاسية، والتي تلتها زيارة تاريخية أخرى لوزير خارجيته قام بها إلى أربيل عام 2011 لافتتاح مبنى القنصلية الفلسطينية في كوردستان .
و من المواقف التي لا ينساها الكورد للفلسطينيين
انه ابو عمار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات انقذ الرئيس الكوردي كاك مسعود البرزاني من محاولة اغتيال في النمسا واخبره بالخطه قبل تتفيذها من قبل المخابرات العراقية
و كان ذلك رغم العلاقات العميقه بين ابو عمار و صدام حسین.
دعوة حق
هذا التواصل والتعاون الكوردي مع العرب والحقوق العربية عبر العصور التاريخية المختلفة، وحتى يومنا هذا الذي تقاتل فيه القوات الكوردية إلى جانب القوات العربية في الموصل لتحريرها من شيطان العصر " داعش "، انما يؤكد ان الكورد هم الاقرب للعرب من الاتراك، فالاتراك لم يقاتلوا يوما لنصرة العرب عامة او وطني العراق خاصة، و لكن الأكراد فعلوا و قاتلوا بجانب العرب في الماضي و في الوقت الحاضر.
كما ان الاتراك لم يحترموا مؤخرا سيادة العراق و اراضيه، وجاءوا بجنودهم واسلحتهم الي ارض العراق مؤخرا دون ان يحترموا حق الجوار او السيادة والموثقة بقواعد القانون الدولي، بينما الكورد اهلنا دفعوا من الدم و المال للدفاع عن المصير المشترك.
وبعد مجئ دونالد ترامب علي رأس السلطة في الولايات المتحدة الامريكية، واعلان اعجابه بالكورد خلال حملاته الانتخابية، فان الفرصة تبدو مهيئة تاريخيا وسياسيا للم شمل الكورد، وحصولهم على حقهم الانساني في وطن يحفظ كرامتهم، ويكفل لهم العيش بأمان وسلام على ارضهم بعد عقود تاريخية طويلة ذاقوا فيها ويلات الاضطهاد والتشتت.
بقلم
سارة طالب السهيل