بين طموحات الشعب وممارسات السياسيين: الواقع الأردني اقتصاديا
د.مروان الشمري
17-11-2016 10:51 PM
لا يستطيع عاقل ان ينكر بان واقع الاقتصاد الأردني غدا حقل تجارب مستمرة لمجموعة من الأشخاص التي تداور القرار فيما بينها وهي التي لم تستطع يوما ادراك حجم الهوة بين ما يدور في مخيلتهم وبين ما يجري فعليا على الأرض. وصل الامر بصناع القرارات الاقتصادية في بلدنا الى حد يجعل المضطلع على تصريحاتهم وخططهم السابقة وتصريحاتهم عبر السنين يضحك عجبا ويبكي حزنا.
بدأت هذه المجموعة ممارساتها المتسلطة على الاقتصاد منذ العام ٢٠٠١ بما يسمى خصخصة مؤسسات القطاع العام والتي هدفت في ظاهرها الى زيادة تنافسية المؤسسات الاقتصادية والشركات التي كانت مملوكة للدولة. جورلي (١٩٩٣) وبروس والين (١٩٩٧) وغيرهم من كبار باحثي الادارة العامة يجمعون على ان الهدف من الخصخصة يكون لتحسين الخدمات وتقليل التكاليف وتنشيط القطاع الخاص وما يترتب على ذلك من تحسين المداخيل وزيادة التنافسية وخلق فرص العمل وتحفيز الإبداع لدى الشباب والسعي للتميز، لكن هؤلاء الباحثين وغيرهم الكثير يقرون بان قرار الخصخصة هو من اكثر القرارات جدلية في اقتصاديات الدول وسياساتها العامة لانه يعتمد على عوامل حيوية كثيرة تتعلق بقدرة الدولة فعلا على تنفيذ التحول بطريقة ناجحة ولكن الأهم هل الارضيّة مهيئة لذلك أم لا؟ عندما بدأت الخصخصة انهالت الوعود الكاذبة والوهمية بان مؤشرات الاقتصاد الكلي ستتحسن ووعدونا بكل ما يمكن ان يحلم به الحالمون من المستحيلات اذا علمنا من يقوم على التنفيذ وكل شيء انتهى دون نتيجة وغرقنا في الديون.
استمرت سياسات الحكومات بعد ذلك بإنكار الحقيقة ومسلسل كذب متواصل مارسه رؤساء الحكومات ووزراء التخطيط والاقتصاد بحرفية كبيرة مستخدمين المصطلحات والنظريات كحق اريد به باطل وهو التضليل الممنهج للراي العام. ففي العام ٢٠١٢ قالت حكومتنا وصندوق النقد ان نسبة الدين الى اجمالي الناتج المحلي ستنخفض الى ٦٣٪ بحلول ٢٠١٧ وقد شارفت ٢٠١٧ على الحلول ونسبة الدين الى الناتج المحلي بلغت ٩٤.٥٪ وصندوق النقد يقول ان عام ٢٠١٧ عام صعب على الأردنيين، مزيد من الرفع وارتفاع مستمر في الدين وتخبط حكومي في ادارة نسب الاعفاءات والرسوم وإعادة تشكيل الرسوم الضريبية
من هذه السياسات واخطرها استمرار الاقتراض دون وجود خطط عملية وقابلة للتطبيق في أعمدة ومكونات الاقتصاد الوطني، وقد يتساءل احدهم ما هي بعض الإجراءات التي يمكن اتخاذها، نقول هي كثيرة : التركيز على مشاريع توسعية قابلة للنجاح والديمومة قادرة على خلق فرص عمل ومنها قطاع التصنيع وتكنولوجيا المعلومات، زيادة الاعتماد على الزراعة المحلية والتحرر من الاعتمادية الكلية على القمح الأجنبي، استغلال الفائض الحكومي من الموظفين في تنفيذ واجبات ومهمات حكومية عبر سياسة التدوير لزيادة الإنتاجية للموظف الواحد دون زيادة التكاليف، إصلاح النظام الضريبي والتركيز على من تضخمت اموالهم بشكل كبير، وقف الهدر المالي العام والجزئي، استخدام المؤسسات الوطنية كالجامعات لتشكيل فرق بحثية ومجموعات عصف ذهني قادرة على تقديم أفكار تتعلق بالطاقة والتصنيع والتكنولوجيا ولنا في الجامعة الهاشمية عبرة، سن قانون يفرض على الشركات المساهمة الاجتماعية مقابل ما يحصلون عليها من حوافز، دمج جميع شركات الطاقة والكهرباء والتي تحمل الخزينة عبئا ماليا كبيرا، ضبط النفقات الخاصة بالحكومة وكبار موظفي الدولة، استرداد الأموال الحكومية المستحقة على شخصيات وشركات وأفراد، مراجعة اداء كل الشركات الحكومية المتعثرة وإحالة امرها الى أكاديميين متخصصين، وغيرها من الإجراءات الممكنة والواقعية ولكن السياسة الاقتصادية في المملكة يحكمها أشخاص معينون لا تستطيع قوة سياسية وطنية ان تقف بوجههم وذلك بعد ان تغلغلوا في مفاصل الدولة بشكل غير واضح.
بيان الثقة لحكومة الملقي لم يأتِ باي جديد وفيه من الوعيد ما فيه بحجة الشفافية وهو ما أكد عليه سلفه ابو زهير والذي تفاجأنا بتذاكره صبيحة هذا الْيَوْمَ وهو من أشبعنا تنظيرا في تقليص الإنفاق والنزاهة والشفافية.
يستمر تردي الأحوال الاقتصادية للمواطن البسيط والذي يتحمل جزء من المسؤولية بعدم ممارسة حقوقه الدستورية وعدم انتخاب من هم قادرون على التشريع والرقابة والمحاسبة والاستمرار بنفس نهج الانتخاب العشائري وعلى أساس الخدمات الفردية، وما يقال عن شراكة بين السلطتين ما هو الا تكريس لنهج تبادل المصالح الضيقة على حساب مجموع الوطن وغالبية افراده ذلك ان الانفصال التام بين صناع السياسات والقرارات سواء في مجلس الوزراء أو النواب يتجسد كل يوم من خلال الهوة المتسعة بين طبقات أبناء الوطن.
الاستمرار في الاقتراض سياسة كارثية سيدفع ثمنها الجميع ان لم يستفق المسؤولون أو تتدخل مرجعيات الدولة العتيدة لإيقاف مسلسل الانتهاك المستمر لحق ابنائنا بمستقبل أفضل.
الاستمرار بالرهان على منح وقروض دولية واقليمية امر فيه مخاطرة وإخلال بالامن الوطني ويشبه المقامرة وعلى الدولة بكل مكوناتها ان تعي ذلك وان تعلم بان الشعب مستعد للتضحية في سبيل اقتصاده ولكن بعد ان يتأكد بان من أجرم بحق اقتصادالوطن تمت محاسبته وغير ذلك لا يمكن ان تطلب السلطة من المواطن بالاستمرار بتقديم التضحيات.