مثلما لا يحظى معظم الشباب الذين ضلت اقدامهم الى طريق الخطأ والانحراف باهتمامنا ورعايتنا ، فان الآخرين من ابنائنا المبدعين الذين “شرفونا” فعلا في المحافل العالمية لا يجدون منا الحد الادنى من التقدير والشكر والاحتفاء.
ان افضل طريقة يمكن ان نحارب بها “الفشل “ الذي تغلغل في اوساطنا وافرز من شبابنا اليأس وقلة الهمة وحولهم الى مشاريع للتطرف والعطالة ودفع بعضهم الى الانتقام من انفسهم ومن مجتمعهم هي انعاش روح الامل لديهم من خلال تقديم نماذج ملهمة لشبابنا الذين ابدعوا في مجالاتهم ، وتجاوزوا ظروفهم الصعبة وحققوا انجازات حظيت باعتراف العالم واعجابه وتقديره ايضا .
صحيح ان لدينا اخبارا غير سارة عن شباب وقعوا في “فخ” المخدرات او آخرين ارتكبوا جرائم بشعة بعد ان ابتلعهم “حوت” التهميش والجهل، فأصبحوا عبئا على المجتمع وافرزوا اسوأ ما لدينا من مآس وكوارث ، لكن في المقابل لدينا ايضا نماذج مشرقة لشباب وشابات سجلوا انجازات علمية على مستوى العالم هؤلاء الذين يفترض ان يصبحوا مصدر اعتزازنا يستحقون ان نقول لهم على الاقل : شكرا ، ليس فقط لانكم اعدتم الينا الامل بقدرة مجتمعنا على الانجاز ، وانما لانكم ايضا تحررتم من “عقدة” الاحباط والتهميش وتجاوزتم قلة الرعاية والاهتمام ، وانتصرتم على اهمالنا ، كما انتصرت ارادة الابداع فيكم على ارادة العجز التي يحاول البعض ان يغرسها في تربتنا لكي يتنصل من مسؤولياته اتجاه خدمة الناس.
لدي قائمة طويلة باسماء هؤلاء الشباب والفتيات الذين “شرفونا “ ، ربما يصعب حصر اعدادهم واسمائهم في مقالة ( آسف اذا نسيت بعضهم) ، لكن هل سمعتم مثلا بمروة صلاح التي صنفت ضمن 100 شخصية ملهمة على مستوى العالم بعد ان منحتها اليونسكو لقب “عالمة” على نظريتها “المحاكاة” التي نجحت من خلالها في تحويل البحوث العلمية الى مادة مخترة ( صفحة واحدة) وفيلم مرئي مدته لا تتجاوز الدقيقة ؟ هل سمعتم ايضا عن سهير المهيرات التي حازت على جائزة محترف دولي في تطوير الطاقة على مستوى العالم لعام 2016 ؟ هل سمعتم عن الطالبة آيات التي اخترعت جهازا قادرا على استكشاف احد كواكب المجموعة الشمسية عن طريق روبوت متعدد المهام وحصلت على جائزة من وكالة ناسا الفضائية؟
هل سمعتم عن رنا الدجاني التي اختيرت ضمن قائمة افضل عشرين عالمة مؤثرة في مجال العلوم على مستوى العالم ؟ ثم هل سمعتم عن سديم قديسات الذي نافس قبل ايام على جائزة برنامج العلوم من خلال ابتكاره جهازا لتطوير دقة سرعة الفحوصات الجينية لمرضى السرطان ..؟ وهل سمعتم عن “نشامى” اخرين من الاطباء والمهندسين والادباء والاكاديميين والطلبة ممن وضعوا بصماتهم على طريق الانجاز ، وحازوا على جوائز عالمية او باحترام مؤسسات دولية مرموقة..؟
ربما لم يسمع الكثيرون منا بهم ، لكن المؤكد ان معظمهم لم يحظ بما يجب من احترام وتقدير او ربما اهتمام رسمي او شعبي ، وبالتالي فاننا حرمناهم وعاقبناهم ،ليس لاننا لم نكرمهم ونحتفي بهم وانما لاننا ايضا لم نسمح لهم ان يطرقوا باب “ الخزان “ لكي يبعثوا برسائل الهمة والامل لابنائنا الذين اقعدهم اليأس عن فعل اي شيء.
من المفارقات المخجلة ان احدى مسابقات الجمال والازياء التي جرت في بلدنا قبل ايام استضافت “فنانة” من الخارج ، وقد حظيت باستقبال “مهيب” فور وصولها المطار، ناهيك عن الاهتمام الاعلامي بها ، فيما لم تحظ اية مبدعة او مبدع ممن ذكرت سلفا بأي استقبال رغم انهم عادوا لنا بجوائز وانجازات قيمة ، ورغم انه جرى تكريمهم على منصات دولية وحازوا على اهتمام وسائل الاعلام هناك.
اعرف بالطبع ان في بلادنا العربية “حزبين” فقط يحظيان بالرعاية والاحتفاء ، احدهما حزب الطرب والآخر حزب اللعب ، لكن ما اتمناه ان نعترف مجرد اعتراف بحزب “المبدعين” من شبابنا في مجال العلم تحديدا ، ليس فقط لاننا نمر بمرحلة بائسة ونحتاج فيها الى بارقة امل تدل على اننا ما نزال احياء ولدينا القدرة على الانجاز ، وانما لاننا ايضا مع وجود الفقر السياسي الذي ولّد بيننا كل هذه الخيبات نحتاج الى “غنى” معرفي، او نخب علمية تجعلنا مطمئنين الى ان مجتمعاتنا ما تزال تتمتع بجزء من العافية ، وقادرة على النهوض من كبواتها وكسر “عيون” الآخرين الذين يصرون على ادراجنا في قوائم “المتخلفين”.
هؤلاء المبدعون من شبابنا “يشرفوننا” فعلا ، ومن واجبنا ان نرفع الصوت ونطالب بانصافهم وتكريمهم من قبل كافة المؤسسات في بلدهم ، وقبل ذلك ان نقف ونقول لهم : شكرا ، لانكم افرزتم منا افضل ما فينا ، ونحن مدينون لكم بالتقدير لانكم الاقدر على إلهام شبابنا بالامل والهمة ، فبكم يمكن ان نحارب فشلنا لان ابداعكم اقوى من كل سلاح.
الدستور