تاريخيا، تمارس النخب المؤثرة في المجتمع دورا تنويريا، وتغييريا، تجاه الأفضل، أو لنقل هذا هو الأصل، وثمة استثناءات كثيرة، خاصة حين نستذكر تحالفات «رجال الدين» مع الاستبداد السياسي، وتسويغ قهر الجماهير باسم الدين، و»شرعنة» الظلم، ويبدو أن النخب الإعلامية في العالم المعاصر ورثت هذا الدور بجدارة، وقامت بمهام «حرق البخور» للمستبدين، فبررت جرائمهم، وحتى أقنعت بعضهم أنهم على الطريق المستقيم، وبلغ الأمر ببعضهم الإدعاء أن الشعوب لا تستحق الحرية، ولا تعرف كيف تمارسها، وبالتالي، يجب سلبها إياها، ومعاملتها معاملة غير الراشدين، لحين بلوغها سن النضج!
من هنا، تولي أنظمة الاستبداد النخب الإعلامية أهمية قصوى، فترعاها رعاية منقطعة النظر، وتخصص أموالا طائلة لشراء ذممها، وجعلها جزءا من آلية إخضاع الناس، وإقناعهم بأن ما يعيشون فيه هو نعمة من المستبد، قد لا يستحقونها، لكن لكرمه وعطفه وأبويته، يمنحهم بعض الفرص للحياة، وتنفس ما يشاء من كمية الهواء، كي يبقوا على قيد الحياة ولكن دون «شبع» فيتعيشون في منزلة بين المنزلتين: قليل من الحياة وقليل من الموت!
من هنا، على أي حركة تغيير أو إصلاح حقيقي، إن ارادت لبرامجها أن تنجح وتؤثر في المجتمع، أن تمد جسورا متينة من التحالف مع النخب المؤثرة، وإن تعذر فلا أقل من البدء ببناء نخبها الخاصة، كي لا تترك الساحة للنخب المضادة للاستئثار بالساحة، والاستحواذ على منصات العبير، وقد وفر الإعلام الحديث فرصا ذهبية لقيام إعلام بديل، يؤثر أكثر بكثير من منصات الإعلام الرسمي، التي تصرف عليها الدول أموالا طائلة، ويبدو أن هناك تنافسا حادا بين الأطراف للاستحواذ على قلوب الناس، عبر هذا الإعلام.
آخر استطلاع لمركز بيو للابحاث يقول أن موقع فيسبوك مثلا يستحوذ على قلوب وعقول المراهقين في أعمار ما بين 13 و17 عاما، حيث لا يزال الأعلى استخداما على الإطلاق بين الأشخاص من تلك الفئة العمرية، ورغم أن تطبيقات تواصلية مثل «انستجرام» و»سناب شات» تتمتع بشعبية واسعة بين المراهقين، فشبكة «فيسبوك» لا تزال الأعلى استخداما بين المراهقين، حيث أظهرت نتائج الاستطلاع الذي شارك فيه 1000 شخص أن 71 بالمئة من المشاركين يستخدمون «فيسبوك»، وأن 41 بالمئة منهم يعتبرونها أهم شبكة اجتماعية. وترتفع نسبة استخدام «فيسبوك» بين المراهقين في أعمار ما بين 15 و17 عاما..
حتى وقت قريب، كانت بعض الحركات الإسلامية تعتبر الإعلام رجسا من عمل الشيطان، باعتباره وسطا «غير نظيف!» واليوم يلهث الجميع لإيجاد موطىء قدم في هذا العالم الساحر، الذي يحكم أكثر من أي امبراطور عرفته البشرية!
من يريد أن يؤثر ويغير، يتعين عليه أن يبني نخبه، ويجد له مكانا لائقا في دنيا الإعلام البديل تحديدا، وبغير هذا، لا فرصة لاي مكون سياسي أو اجتماعي بالوصول إلى قلوب الناس، وبالتالي الاحتماء بهم للانتصار بهم ولهم!
الدستور