بين سدتين .. الحكم أو الإعدام .. !!؟
موسى الصبيحي
08-10-2008 03:00 AM
في العالم الحرّ المتقدم تسمو الأولويات العامة على غيرها من الأولويات الفردية وتتقدم في إطار متسق تُراعى من خلاله أوجه المرونة والثبات والألم والمعاناة، دون أن تُعزل عن محيطها المجتمعي وبيئتها غير المواتية، حتى بالنسبة لأولئك الذين يتطلعون إلى صفحة بيضاء غير مشوّهة من ناحية ما يحملون من أفكار ونظريات، تظل تطلعاتهم مجرد أشواق ما لم يقرنوها بتأصيل غير حالم..
وتظل أشواقهم أضغاث أحلام ما لم تنبعث من إمكانات وقدرات نفسية تتجاوز حدود الممكن والمعقول إلى حدود تلامس أسطح النجوم.. لا لكي تحاكي الواقع أو تقترب من المستقبل فحسب بل أيضاً من أجل أن تلامس الماضي بكل تفاصيله المهمة وركائزه المفصلية بما يشكّل في النهاية تلك المنظومة المتكاملة المؤهلة لإحداث التغيير المنشود في حياة البشر والمجتمعات ولكن بدءاً من الأولويات العامة.. !!
أما في المجتمعات التي تعاني من صور وأشكال التخلف والكبت والحرمان فتبقى الأولويات العامة على حالها لعقود وربما لدهور وتظل مساراتها في الاتجاه الخاطيء دون حتى أن تتمكن من المراوحة على ذات الأساس بين مدّ وجزر، ففي كثير من الأحيان تختلط هذه المسارات وتتشابك فيما بينها حتى لا يكاد المرء يميز بين مسار وآخر، فتشتبه الخطوط ويتشابك بعضها ببعض، وتتداخل الأولويات العامة بالخاصة، وتزداد الضبابية، فلا تستطيع قوى المجتمع المختلفة أن تفكّر في التغيير ووضع الأولويات في مساراتها الصحيحة، بل كثيراً ما تقف لتندب حظها، عاجزة عن إحداث النقلة التي يمكن أن تسهم في فك الاشتباك والإشتباه، وإعادة رسم المسار، وتحديد أولويات المجتمع والجماعات بوضوح ورؤى جديدة ثاقبة.. المهم في الموضوع أن لا أحد قادر على مجانبة الأولويات باختياره المحض، ولا أحد يملك أن ينحو باتجاه هذا المسار بإرادته المنفردة، ولكن المفارقة أن معظمنا – علم أو لم يعلم - يعيش حياته مجانباً للأولويات بل وربما متنكباً لها بعامها وخاصّها حتى وإن عاش قائداً ملهماً أو زعيماً أوْحداً..
لكنّ قلة قليلة تدرك أن ذلك الخلط هو الذي يكشف ذلك التشابه الكبير بين سدة الحكم وسدة الإعدام، لأن الإرتقاء بمعزل عن الأولويات يطرح الكثير من التساؤلات، ويقود إلى تدخّل غير محمود ممن يسمّون بالتقدميين والليبراليين من أصحاب الإمبراطوريات الوهمية الذين يؤمنون بإعادة ترتيب بيوت الآخرين دون أن ينظروا إلى ما تغص به بيوتهم من فوضى..!!
المشكلة أننا جميعاً نسعى إلى الترتيب أو ما نطلق عليه تأدباً "إعادة الترتيب" لكننا نضحك على أنفسنا لسبب بسيط هو أننا لا نملك مجانبة الأولويات، وأجندتنا الخاصة والعامة مزدحمة بذلك.. فالآيــة تبدو معكوسة تماماً، أليس كذلك..!!؟؟