انتخابات أمريكية غير مسبوقة
د. هايل ودعان الدعجة
15-11-2016 12:18 PM
ربما هناك ما يبرر الصدمة أو الحيرة التي انتابت العالم على وقع نتائج الانتخابات الامريكية غير المتوقعة وغير المسبوقة التي قادت شخصية غريبة الاطوار ، كشخصية دونالد ترامب الجدلية ، التي انتهجت خطاب العنف والكراهية والخوف الى كرسي الرئاسة الامريكية .
وما زاد الأمور غرابة واستهجانا الاستجابة الشعبية لهذا الخطاب الذي وصف بالمتطرف، وترجمته الى أصوات مؤيدة، اشرت الى وجود أرضية مهيأة وجاهزة لتقبل هذا الطرح الشعبوي الخطير ، والتفاعل معه بصورة هزت منظومة القيم الامريكية من حرية وديمقراطية وحقوق انسان، تبنتها الولايات المتحدة واعتمدتها مرجعية سياسية واخلاقية في علاقاتها الدولية وسياستها الخارجية، وسعت الى تصديرها، واعتبرتها من معاييرها وشروطها المعتمدة في تقديم المعونات والمساعدات الى دول العالم الثالث.
حتى انها غزت دولا ودمرتها بحجة عدم احترامها ومراعاتها لهذه المنظومة القيمية ، التي سرعان ما انكشفت حقيقتها على وقع الزلزال الانتخابي والسياسي الذي هز اركان البيت الأبيض.
وبدا ان هناك تحولا في قناعات الناخب الأمريكي وخياراته وتوجهاته الانتخابية ، عندما قرر اختيار شخصية ذات خلفية اقتصادية ومالية قادمة من خارج الدائرة السياسية والحزبية ، عرفت كيف تستميله وتجذبه الى صفها بعد ان نجحت في استفزاز مشاعره، وعزفت على أوتار مخاوفه من نهج الحكم الديمقراطي وسياساته الاقتصادية التي حملها مسؤولية الضرر البالغ الذي لحق بالطبقات العاملة والطبقة الوسطى وسكان المناطق الريفية من البيض واهمالها وتهميشها ، وفقدها لمصانعها ووظائفها وارتفاع نسبة البطالة في صفوفها، لتستمر في خطابها العنصري في اثارة المخاوف من المهاجرين والأقليات المسلمة واللاتينية والسود، وتحميلها ايضا مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لهذه الشرائح الاجتماعية، القلقة على مستقبلها من سيطرة هذه الأقليات على بلدها وتحويلها الى اقلية.
ما دعا ترامب الى التركيز على هذه الشرائح التي اعتادت التصويت للديمقراطيين ، بطريقة قادته لحسم نتيجة الانتخابات لصالحه، عندما نجح باقناعها بقدرته على تمثيل مصالحها . الامر الذي لم تحسن وسائل الاعلام واستطلاعات الراي التقاطه او رصده، بشكل اثر سلبا في توقعاتها وحساباتها الانتخابية . دون الوقوف ايضا على عزم ترامب عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات في حالة عدم نجاحه، في إشارة الى ثقته الكبيرة بحسمها بعد ان عول كثيرا على الطبقات العاملة وسكان الأرياف البيض، التي لم توليها المرشحة الديمقراطية هيلاري كلنتون الاهتمام ، كحال الرئيس أوباما الذي لم يولي هو أيضا عناية بهذه الشرائح الاجتماعية، التي اعتبرت نهج كلنتون امتدادا لنهج أوباما الذي اهملها وهمشها . ما دعا البعض اعتبار تصويت الناخب الأمريكي لترامب بمثابة الاحتجاج والتعبير عن الغضب من سياسات الحزب الديمقراطي.
من هنا كان رهان ترامب على هذه الشرائح الاجتماعية ، واعدا إياها بتحسين ظروفها الاقتصادية والاجتماعية من خلال إعادة بناء الاقتصاد الأمريكي عبر قيامه باتخاذ جملة من السياسات والإجراءات ، وتحويل الاهتمام وإعطاء الأولوية للشأن الداخلي ، والتخلي عن سياسة شمول بعض دول العالم الحليفة كاليابان وكوريا الجنوبية ودول الشرق الاوسط بالمظلة الأمنية الامريكية وحمايتها دون مقابل ، وإعادة النظر بقوانين الهجرة ، وإعادة التفاوض حول اتفاقيات التجارة العالمية مع دول أمريكا الشمالية كالمكسيك وكندا ، وإلغاء اتفاق الشراكة الاقتصادية عبر المحيط الهادي ، وإعادة النظر بالمساهمات المالية الامريكية في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ، وفي برنامج الأمم المتحدة بشأن الاحتباس الحراري ، وفرض رسوم جمركية على السلع المستوردة من الصين لتشجيع المواطن الامريكي على شراء المنتجات الامريكية ، وخفض الضرائب على الافراد والشركات ، ودعم الصناعات المحلية لخلق فرص عمل ، واصلاح البنية التحتية .