روّجت السياسة الخارجية الأميركية طوال السنوات الثماني، لأن إيران يمكن أن تكون اللاعب الرئيسي في المنطقة بدلاً من دول الخليج، وفي المفاوضات النووية كان الاتفاق أشبه ما يكون بالتنازل، عبر ما عرف بسياسة «احتواء إيران». ورغم شعار أوباما المتكرر بأنه «لن يسمح لإيران بامتلاك أسلحة نووية»، فإنه تمادى في التفاوض حدّ التنازل كما يقول الجمهوريون، وبعض من رفاقه من الديمقراطيين.
لنقف على بعض الأحداث التي جرت إبان التفاوض من خلال شخص فاعل في وزارة الخارجية، ومستشار ريتشارد هولبروك (مبعوث أوباما لشؤون أفغانستان وباكستان)، وأعني به «والي نصر» في كتابه: «الأمة التي يمكن الاستغناء عنها». يقول: «حدثني أحد قدامى الدبلوماسيين، أن كل رأي مخالف لمنطق القوة والإكراه سيواجه بالحذف والنفي، حينها اقتربت الأمور من حديث الحرب في واشنطن، وتوجيه ضربة إلى إيران، تراجع أوباما بوضوح، وتحدى منتقديه من الجمهوريين، وتوجّه إلى الجمهور محاولاً تسويق فكرة أن الولايات المتحدة لا ينقصها الآن أن تخوض حربًا أخرى. كانت تلك مناورة جريئة لم تحسب عواقبها، أقول إن أحدًا لم يحسب عواقبها، لأن افتراضات أوباما الشخصية التي يتبناها هو، والتي تفضّل أي حلولٍ بعيدًا عن احتمال استخدام الحرب، قد تسربت إلى الآخرين بشكلٍ معيب، وقد وصلتهم الرسالة بشكلٍ لا يخدم المصالح الأميركية».
والي نصر يتحدّث عن رسالة ضعف أميركية وصلت إلى الإيرانيين، استثمروها، بعد أن ضمنوا أن القوّة لن تستخدم مطلقًا في عهد أوباما، وأخذوا يهرولون نحو إتمام الاتفاق، ذلك أن الخيار العسكري لم يعد مطروحًا بشكلٍ نهائي، وهذه كانت تمثل كسرًا لعظم القوة العسكرية الأميركية، وانتهاكًا للأسلحة التفاوضية، إذ شعر الإيرانيون بالطمأنينة، فالقوة ليست من ضمن الخيارات على طاولة التفاوض، إذن فلنذهب بعيدًا في الشروط، وتفصيل الاتفاق، وهذا ما حدث. حينها شعرت السعودية بالقلق، وحقّ لها ذلك.
يروي نصر، نقلاً عن هولبروك، أن أوباما حين زار السعودية عام 2009، توقّع أن يجري مع الملك عبد الله محادثات حول القضية الفلسطينية، لكن استغرقت ساعة كاملة من اللقاء للحديث عن الخطر الإيراني، ونَصحَ الملك الراحل أوباما بأن يقوم بما يجب عليه لدرء خطر إيران. بالطبع كانت نيّة أوباما واضحة؛ التوجه نحو إيران، لا الخليج.. أوباما يرى أن إيران هي المستقبل، بينما الخليج جزء من التاريخ والماضي.
ترجمت الانتخابات الأميركية الأخيرة غضب الشارع الأميركي من الخور والفتور واللين في إدارة أوباما، التي ادعت أنها ستوجه ضرباتٍ عسكرية مرتين، مرة ضد إيران، والثانية ضد النظام السوري، فلم تفعل شيئًا، فاستشعر الجميع انكماش السياسة الأميركية، وأول من شمّ هذا التراجع هو بوتين، الذي راح يصول ويجول في المنطقة بلا رقيب ولا منافس.
يعتبر والي نصر، وهو الشاهد مع رئيسه هولبروك على ضعف أوباما، أن «جزءًا من المشكلة التي تغذي الحراك ضد إيران، أن طهران لديها طموحات سياسية، لكنها طموحات بلا أقدام اقتصادية كي تسندها».
الدورة السياسية الجديدة في أميركا، قد تشهد انتعاشًا في العلاقات الأميركية - السعودية، القائمة على الشراكة في الرؤى السياسية، والمصالح الثنائية، السعودية دولة مدنية، وتنظر إلى العالم بعيون متحضرة، وتؤمن بالمؤسسات وشرعية الدول، إيران لا تلتقي مع أميركا لا بالأفكار ولا السياسات، ولا بالقيم. يقول لي صديق إن ثمة سرًا دفينًا لدى أوباما من الصعب التنبؤ به لجهة اندفاعه نحو إيران، كبار الساسة حتى من الديمقراطيين، فركوا عيونهم مرارًا غير مصدقين بالهرولة الأوبامية تجاه إيران، هرولة مجنونة تجاه دولة قتلت الأميركيين، وهاجمت سفارات واشنطن، ودعمت «حزب الله» الذي يصطاد فرائسه من صفوة الجنود الأميركيين قتلاً وتنكيلاً.
طويت سنوات أوباما العجاف، ونحن الآن أمام صفحة أخرى، نتمنى أن تكون بديلة عن أخطاء الماضي السحيق!
الشرق الأوسط