الانسان اجتماعي بالطبع وهي نزعة ذاتية في الافراد وذات ميل فطري الى الاجتماع ذكورا كانوا ام اناثا مع اختلاف الظروف التي تحكمها العلاقة والنوع في التعامل ولذلك لايمكن للانسان ان يستغني عن المجتمع بحال , فوجود الانسان في الوسط الاجتماعي حاجة ملحة ونفسية وخاصية ذاتية متاصلة فيه بالفطرة , وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا . ولذلك ترى في مدننا الانتشار الواسع لاماكن تجمعات الاشخاص مثل المقاهي والكافتيريات والمنتديات الثقافية والفنية والتي لم تعد فقط تسلية للمهمومين بقدر ما اصبحت تشكل نوعا من العلاقة والتواصل بين افراد المجتمع فنادرا ما تجد شخصا يجلس في احد هذه الاماكن لوحده منفردا .
ومن هذا المنطلق اخترت انا وبعض الاصدقاء ان نلتقي معا لتضمنا طاولة امام احدي الكافتيريات قي مكان لا يبعد كثيرا عن مكان اقامتنا لسهولة الوصول اليه ولعدم تكبد عناء المواصلات ومعظمنا في العمر المتقدم , واول من يصل الى المكان هو( ابو الوليد ) فيبدأ بالاتصال بالاخرين ليعلمهم بوصوله الى المكان وهو رجل مسالم متقد الذكاء وله خبرة وتجربة كبيرة في الحياة تجلس معه فلا تمل من حديثه في مختلف الامور وخاصة ذكريات الماضي , وله باع طويل في مضاربات البورصة العالمية لذلك تجد تلفونه لايسكت عن الرنين , يبادرك اول ما تجلس معه يسؤالك
( ماذا تشرب ) وفي بعض الايام يتحفنا بعشاء دسم من مطعم قريب منا وغالبا ما يكون منسف بالجميد الكركي , واذا شعر احدنا بالبرد يطلب من ابنه ( وليد ) ان يجلب له عباءة او سويتر من بيته القريب رجل سمح وكريم بمعنى الكلمة .
ومن ثم يطل علينا ( ابو رعد ) وهو ذو فكر نير وعنده معلومة في معظم الامور الاجتماعية والثقافية وخاصة فيما يتعلق باحوال المجتمع , يجلس قليلا ويمشي كثيرا لحبه للحركة تكلمك يداه قبل لسانه ليتأكد ان المعلومة تصل للمستمع بجلية ووضوح يسابقنا في طلب المشروبات واحيانا يتحفنا بطبق من المعجنات او الحلويات , مضارب شرس في البورصة والعملات.
وبعد فترة يأتي ( ابو جريس ) ملوحا لنا من بعيد فرحا بتحية اللقاء , وقبل ان يجلس يسألنا ماذا نشرب ويسابقنا الى طلب المشروبات , وعندما يجلس عل كرسيه تراه جالسا معنا بجسده وفكره تائه في مكان اخر بعيدا عن حلقة الجلوس , واحيانا تغفو عيناه بلا وعي حتى نستفيقه وبعود جالسا معنا , يستمع للحديث ولا ينطق الا حين يستنطق يخرج سيجارة ويداعبها بين يديه لوهلة ثم يشعلها , وبعد وقت يفض مجلسه معتذرا ليذهب الى السوبر ماركت لشراء بعض حاجاته ويمضي الى منزله
وهناك ( ابو انس ) رجل الاعمال يأتي متأخرا لانشغاله في اعمال التجارة ومثقلا بهموم السوق والعملاء , ولكنه جلد وصبور برغم مشاكل البيع والشراء , يحب احتساء النسكافيه يحدثك بصوت هادْىء ووقور فلا تمل ولا تكل من حديثه , ضحوك ويحب المزاح , واجمل مافيه لسانه الرطب المشبع بالدعاء والتسامح .
وهناك ( ابو انس اخر ) رجل العقارات والاراضي , ما ان يجلس بعد ان يلقي التحية حتى يفتح الموبايل وينشغل به طيلة الجلسة فلا نسمع منه ولا يسمع منا .
وياتي دور اخينا ( ابو سليم ) وهو استاذ قانون وهم محب لشرب ( شاي الاتيه ) ويسميه ( شاي الكركي ) ويبدا كلامه بسرد احداث يومه في المحاكم والقضايا التي يخوض فيها وخاصة قضايا المنازعات الحقوقية والطلاق , دائم الابتسا والضحك ولا هم لديه سوى القضايا والمشاكل .
ولا ننسى اخونا ( ابو عبدالله ) وهو طيار سابق , تلفه هالة من الادب والاخلاق , وهم محدث لبق وذو تجربة وخبرة بالحياة .
وهذا ( ابو العبد ) المكافح الغيور على مهنته يعمل بحق الله والناس , دمث الطبع وخلوق , يكلمك بصوت هادىء مسموع طاف في الارجاء واختار البقاء في الوطن حبا في الاهل والناس .
واخيرا وليس اخرا صديقنا ( ابو صخر ) رجل الكمبيوتر والمعلومة , ذو ادب واخلاق , محب للناس وصاحب واجب تجاه الاهل والاصدقاء , ومحب للشاي الكركي , متفاني في عمله ويده ممدودة للجميع وموصلة بالخير والتفاني .
اما انا فمستمع جيد مستمتعا بالصحبة واللقاء .
فالصداقة تحفة ...تزداد قيمتها كلما مضى الزمان