لا ادري , هل أشفق على دولة رئيس الوزراء أم اتعاطف معه , فالرجل وجد نفسه قطعا , أمام تركة ثقيلة قوامها , مديونية عالية فاقت الحدود والسدود ,وفقر مستفحل لم يعد يطاق , وبطالة مرعبة تتسع رقعتها تباعا , وركود إقتصادي يتنامى , وتناقص حاد سيطول أمده في حجم المساعدات , وحروب مستعرة في كل الإتجاهات , وتحولات إقليمية ودولية لا يمكن التكهن بمآلاتها .
يضاف لما سبق , وصفات جاهزة لدى الصندوق والبنك الدوليين يجري وصفها لكل إقتصاد مريض بغض النظر عن آثارها المدمرة إجتماعيا ووطنيا في وقت لاحق , ونخب سياسية حقيقية وأخرى مدعية , تنظر جميعها ولا تمل التنظير وتطالب بإصلاح الواقع , ولا يكلفها ذلك شيئا سوى الكلام من جهة , والإلقاء باللائمة على غيرها من جهة ثانية , ومعظمها إن لم تكن كلها , بإنتظار لحظة سقوط الحكومة " أية حكومة " وفشلها في تدبر أمر البلاد والعباد , عل الكرة تتدحرج بإتجاهها هي دون سواها ! .
دولة الرئيس : سأنظر عليك قليلا مع المنظرين على كثرتهم , وصدقني إن شئت , أن جذر علتنا ومصابنا الإقتصادي الإجتماعي , كامن في إنجرافنا وبلا وعي , نحو ما يسمى بالحداثة والمعاصرة تقليدا لدول وشعوب وفرت البنية التحتية لوجودها الإقتصادي كدول إبتداء , ثم إنطلقت لاحقا نحو عالم الصناعة والخدمات وتكنولوجيا المعلومات وما شابه من قيم العصر المتطورة , أو ما أسميه شخصيا بالإقتصادات الورقية الوهمية وحتى الكاذبه ! .
ليس سرا " دولة الرئيس " أننا وفي غمرة إنبهارنا بالغرب وما حقق من تطور , أغفلنا او حتى لم ندرك , أن الأساس في بناء الدول والمجتمعات الوطنية , هو إمتلاكها وبما يكفي ويفيض لمصادر وأسباب إستمرار الحياة , وهي : المياه , الحبوب , والطاقة بأي شكل كانت , وبدون ذلك لا اتردد حتى في قول ان الدول تفقد مبررات كونها دول ! , فلقد انفقنا المليارات منذ نشوء الدولة ولم ننتبه للاساسيات المذكورة , وها نحن اليوم نستجدي الماء والطاقة والحبوب كغذاء أساسي للإنسان والحيوان معا , وهذه مجتمعة هي سر إرهاق ميزانية وموازنة دولتنا منذ حقب طويلة مضت ! .
دولة الرئيس : جرب أن تتحلل من كل الوصفات الدولية ونظريات المنظرين في السياسة ونظراؤهم في الإقتصاد الذين أقعدونا على الدار السودا " , وعد بنا وببلدنا إلى البدايات والأساسيات , وفكر مليا إن أردت في :
1 : إدخال زراعة الحبوب وإبدأ بالقمح والشعير تحت الزراعة المروية في الأغوار , فنحن نهدر سنويا كميات هائلة من مياه الري على زراعات خاسرة , ولا ضير في إلزام كل صاحب حيازة زراعية بزراعة خمسة وعشرين بالمائة من حيازته بالقمح او الشعير , وادع المختصين لإحتساب العائد سنويا على البلد وعلى المزارعين انفسهم , وهذه لها آثارها الإيجابية التي يطول شرحها .
2 : جرب إدخال زراعة العنب من اصناف مبكرة في الاغوار لغايات التصدير عبر مؤسسة حكومية نزيهة مؤهلة , حيث يحين القطاف في وقت تخلو فيه اوروبا كلها من إنتاج حبة عنب , وكلنا يعرف مدى حاجة اوروبا لهذا المنتج في وقت مبكر من السنة وإرتفاع أسعارها عندهم .
3: جرب تنظيم حملة وطنية لبناء سدود صغيرة بقدرات وأيد وآليات محلية من الوزارات المعنية وبالتعاون مع الجيش والجامعات وسواهم , دون الحاجة إلى عطاءات ومناقصات اجنبية ودراسات وهمية مكلفة , فلدينا المهندسون والعمالة والآليات المعطلة معظم أيام السنة , وبمقدورنا لو أردنا , بناء سد صغير وربما اكثر قرب كل قرية ومدينة ومخيم بما في ذلك عمان وبكلف رمزية , وتصور كيف سنحول الاردن إلى واحات إعتمادا على شتوة ليلة , وكم سنوفر من الماء وإنتاج الكهرباء وتعظيم زراعاتنا وسياحتنا وحتى إمتلاك ثروة سمكية وغيرها .
4 : جرب شراء جامعة العلوم الطبية المعروضة بالمزاد حاليا ولا أعرف سر تعثرها وقد أدعي انني اول من كتب وإقترح إنشاءها منذ سنوات , وإجعلها جامعة شاملة لتدريس الطب وكل ملحقاته من صيدلة وقبالة وتمريض وصناعة طبية وأدوية وكل ما له علاقة بالطب , وأتبعها للتعليم العالي وافتح ابواب القبول فيها للعرب والاجانب , وأعد للاردن مجده في حقل الطب الذي خبا بفعل فاعلين ولا حول ولا قوة إلا بالله ! .
5 : جرب الكف بصورة ملحوظة عن تخصيص الملايين للقروض التشغيلية كما تفعل الآن , وإستعض عن ذلك بإقامة مشروعات إنتاجية بيسطة في الاطراف والمحافظات لغايات التشغيل والتدريب معا , من مثل : مشروعات لإنتاج الحلويات والمنسوجات والالبان والأغذية المحفوظة وما شابه , فستحل بطالة الإناث والشباب باجور بسيطة , وستتيح لهم فرص التدرب واخذ القدوة والمبادرة لاحقا لإقامة مشروعاتهم الخاصة بهم وبمبادرات طوعية منهم .
دولة الرئيس : دعونا من حديث الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنافسية والشفافية وما شابه من مفردات تبدو ترفية في مجتمع مثقل بالفقر والمديونية والبطالة وما تنطوي عليه من قهر وحتى ذل , ولنلتفت جميعا إلى ما هو أولى وأهم من أساسيات حياة الناس وهمومهم , وصدق من قال : حكي الشباع للجياع فت عدس , وسلامتك وعذرا إن خرجت عن السياق , وللحديث تابع وبقية إن كان في العمر متسع , الله من وراء القصد .