جرت العادة ان يرسل الكتّاب وأصحاب الأعمدة رسائل مفتوحة الى رؤساء الحكومات والمعنيين وأصحاب القرار يطلبون منهم التدخل في قضية وطنية كبرى ، أما أنا فأبعث رسالة مفتوحة الى مروان ماركوس الطفل الأردني المبدع...
مروان ماركوس جوينات طفل أردني فاز قبل يومين بالمركز الأول على مستوى العالم في الرياضيات لمجموعة (uc mas) وتم تكريمه في دبي من بين عشرات الطلاب من العالم ، مروان حمل الكأس المذهّب وعلى كتفه العلم الأردني ونظر الى الكاميرا بنصف ابتسامة وبعينين طافحتين بالحزن، لماذا الحزن؟ الطفل مروان فقد والده بحادث مؤسف قبل اسبوعين ... لكنّه بعزيمة رجولية تحدّى وفاز وتفوّق ليرفع اسمه واسم والده واسم وطنه عالياً...
قبل شهر فازت الأردنية رؤى حمّو بالمركز الثاني بتحدّي القراءة متفوقة على مئات الأطفال وكرمتها دبي، وأمس فازت الأردنية سلاف عبدالنبي ب «يو سي ماس» وكرمتها دبي ،وفاز مروان جوينات بالمركز الأول لفئة عمرية مختلفة و كرمته دبي .. أبناء الأردن يبدعون وتكرمهم دبي ، اللافت ان جميع الفائزين كانوا يتلفّعون العلم الأردني وهذا خير تطبيق لــعبارة : «خافق في المعالي و المنى» لا كلام بعض المسؤولين المجبول بالشعارات !...
لا أدري لماذا أكتب اليوم للبطل مروان تحديداً؟ ولماذا جعلت صورته أمام جهاز الكمبيوتر طيلة النهار.. لماذا حرّكني هذا العمر المتأرجح بين الوعي والنسيان ، ربما لأنه يشبهني أو ربما لأن حزنه المعتق يشبه حزني .. ففي مثل عمره تماماً فقدت أبي ايضاَ.. وقتها خشيت من العمر كله، خشيت من خسارات متتالية لأحبة يقررون الذهاب فجأة دون ان يشعروننا أو يفكرون بمصائرنا، صرت أخشى أن أحب كي لا أفقد، وأن أتعلّق بأحد كي لا أفجع، وأن أكبر كي لا أموت ، كنت أنام وأتخيل أن أبي سيفتح الباب ليلاً، وأنه سيدهشنا بقصة عودته من الموت، وأحياناً كنت أتخيله يلومنا لأننا نسيناه كل هذه المدة في المستشفى هكذا كنت أتخيل أو أتمنى لا فرق...وعندما لا يطرق باب بيتنا أحد، كنت امسح دموعي من تحت غطاء نومي بعد ان ارتوت الرموش من ماء الحزن..وأحاول النوم ككل أطفال العالم...
رسالتي المفتوحة اليك يا مروان.. فقط لتعلّمني كيف أكون قوياً مثلك؟ كيف أصبح نهراً مثلك لا اتردد في الجريان أو اتراجع الى الخلف، علّمني كيف أضع الجرح عتبة لأصعد الى نافذة الفرح..أن أعلق براويز الطموح فوق رأسي، فالجدران ليست منازل للراحلين فقط، هي نوافذ تفوّق ايضاَ...أكتب اليك لتعلّمني كيف أصنع من فتات الصدمات كأساً من ذهب...
مروان بنصف ابتسامتك هذه أنت قادر ان تهزم كل خصومك بما فيهم الحزن ، أنت قادر على سحق كل المعادلات الصعبة في هذه الحياة ، لذا لا تلتفت الى الوراء ،اقتلع كل أشواك الــ» لو» التي تنبت رغماً عنك في تفكيرك وذاكرتك، وفي لحظات التكريم الكثيرة القادمة لا تتفقد من غابوا بل افرح بمن حضروا، واعرف انك الآن ربّان المركب ورب البيت وأمل شقيقيك ومعلّمهم.
صحيح أنّي أكتب هذه الرسالة اليك يا مروان كابن وشقيق وصديق على أمل أن تقرأها وتفرح بها...لكني في نفس الوقت أرسلها اليّ ...قبل ثلاثين عاماً..
الراي