اختار الأمريكيون رئيسهم وعادوا إلى سعادتهم .. فيما انشغل المتنافسان في إبراز عظمة أمريكا ، لم تنزعج جميله امريكا هيلاري من شعبها التي قررت أن ترحل بعد خسارتها في سباق الرئاسة ولم تنشر قواتها لانتزاع السلطة بالقوة بل بادرت بتهنئة خصمها في جو من العظمة والإبهار ولم يظهر الملياردير ( ترامب ) شماتته بمنافسته المهزومه بل أعلن أن أمريكا ستستمر روعتُها بجميع أبنائها بمن فيهم ( السيده كلنتون) . و عاد الجميع إلى قواعده بعد معركة الشرف بسلام .
ما جرى ليس سحرا و لا فيلما من أفلام هوليود . ما جرى حقيقة تابعها العالم بإعجاب . خاصة و أنها ليست الأولى في تاريخ أمريكا .
الغجرية التي عشعشت في عقول حكام العرب المستبدين والأنانية المفرطة في ذواتهم هي التي حالت دون أن يكون العرب أناسا أسوياء على مدى قرون واستمرت ببشاعة تقتل صاحبها وتقتل من وراءه حتى وصلت إلى مستوى لا يطاق .
هل كان الحاكم محتاجاً لحرق البوعزيزي نفسة في تونس ولمعركة الجمل في مصر وجمعة الكرامة ومحرقة تعز في اليمن لكي يترك السلطة بطلب من شعبه ؟ .
وهل كان القذافي محتاجاً لتدمير ليبيا وتفجير دماغه كي يغادر منصبه ؟ وهل الأسد بحاجة لتدمير سوريا للتنازل عن الحكم هناك ؟ .
لقد رافق الواحد منهم على الأقل ستة حكام أمريكيين ذابوا حبا في وطنهم أمريكا وفي شعبهم الأمريكي وفي التسابق على خدمته ونزل عن كرسيه بطلب من شعبه دون أن تسقط السماء على الأرض فيما حكامنا الموميات تحنطوا على الكراسي وحنطوا أوطانهم بل وصلبوها جهار نهار على أعمدة الحرمان والتخلف .
الأمريكيون وأمثالهم من الشعوب المتحررة لا يختلفون عنا بشيء إلا بالوعي والوعي هو الركيزة الأساسية في تحول الشعوب واستمرار إصرارها على التحول والوقوف بوعي أمام كل محاولة من شأنها أن تعيدهم إلى الخلف .
لقد وصلوا لهذا الإبداع على جسر من التعب وسنين من التضحيات الجسيمة وهم يدركون بعقل جمعي فداحة التراجع عن معراج الصعود في سماء الحضارة و الإتقان .
بالطبع لا أتمنى أن أكون أمريكيا لأني مؤمن بعروبتي ومؤمن أن روعة الأمريكيين للأمريكيين وحدهم . لكن ما أتمناه هو أن يكون شعبي العربي بهذه الروح عندما يتعلق الأمر بتغيير الحاكم .
والسؤال : هل يكفينا توهانا في مدار أصنام العصر و حكام التخلف لنبدأ في مسيرة على أساس من الوعي الذي لا يسمح لعواطفنا بتقديس الحاكم أو تأبيده أو توريثه أو التنازل عن مساءلته ؟ .
وهل ثورات الربيع العربي كما اسموها كافية لإحداث ذلك الوعي الذي يفصّل الحاكم على مقاس الوطن وليس العكس ؟ .
ليس عبثا أن نأخذ شهقة من أعماقنا ثم نقول : آه وطني تستحق أن تكون عظيما .