صناعة النخب السياسية في الأردن
أ. د. انيس الخصاونة
13-11-2016 03:12 PM
يطلق مصطلح النخبة السياسية على مجموعة الأفراد الذي يؤثرون في القرار السياسي ويمتلكون حضورا معتبرا على المسرح السياسي، ويلعبون دورا مهما في تطور الحياة السياسية وإدارة شؤون الدولة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال التأثير وممارسة النفوذ على من يدير مؤسسات الدولة وأجهزتها.
وفي الوقت الذي يمكن أن تشمل هذه النخب السياسية وزراء ونواباً وأعياناً وكتاباً وصحفيين وأكاديميين وحزبيين وقيادات نقابية وجماعات مصالح وجماعات ضغط وقادة الرأي في المجتمع وشيوخ العشائر وغيرهم فإن السؤال الذي يبرز هو من يصنع هذه النخب؟ وما مدى تمثيل النخب لهموم ومصالح السواد الأعظم من المجتمع؟ وهل تعبر المصالح والأفكار التي تحملها هذه النخب عن مصالح المجتمع بقطاعاته المختلفة.
عوامل كثيرة تسهم في صناعة النخب وفي تحديد مقدار التأثير لأعضاء هذه النخب في المجتمع.
في المجتمعات الديمقراطية تلعب الأحزاب، ومنظمات ومؤسسات المجتمع المدني، والصحافة، والجمعيات النقابية والمهنية، وجماعات الضغط والمصالح في الفرز والدفع ببعض الشخصيات إلى المواقع التي يستطيع أصحابها التأثير في المجتمع ونظامه السياسي.
وينبغي الإشارة إلى أن قدرات وكفاءات الأشخاص أنفسهم وميولهم للانخراط في الشأن العام للمجتمع واستعداداتهم الشخصية والمهنية والقيادية تسهم في وصولهم إلى مواقع النخبة ، وهنا لا بد من التنويه إلى أن النخبة لا تعني فقط احتلال المواقع القيادية في الدولة حيث أن كثير من الشخوص النخبة يمكن أن يكونوا مدراء شركات وبنوك أو كتاب وصحفيين وعسكريين متقاعدين وقادة اجتماعيين ممن يسمع لهم الآخرين ويسهموا في التأثير في صياغة الرأي العام.
أما في الأردن فإن صناعة النخب تبدو نسبيا مختلفة حيث تسهم مؤسسات الدولة وماكينة الحكومة نفسها في اختيار وتطوير وصناعة النخب.
ففي مجتمع يعظم من التراتبية الاجتماعية (Social strata) وينظر بإجلال مفرط إلى القيمة الاجتماعية التي تضفيها الوظائف الحكومية القيادية على شاغليها فإن دور الحكومات أصبح جليا في تقديم بعض الشخوص واختيارهم لمواقع نخبوية سياسية أو إدارية وهذا بالتأكيد يشمل الوزراء، والأعيان، والأمناء العامين، والمدراء العامين، ورؤساء مجالس الإدارة، وشيوخ العشائر المعتمدين من قبل الدولة ممثلة بمستشارية شؤون العشائر التي تصرف الألقاب (شيخ وشيخ مشايخ) والرواتب وغيرها.
صحيح أن بعض الشخصيات ربما تجد طريقها إلى عالم النخبوية من خلال مجلس النواب والقطاع الخاص والشركات والبنوك والنقابات والصحافة فإن هذه النخبوية تبدو مؤقتة ومحدودة التأثير ما لم يصاحبها المزاوجة بين المال والسلطة.
ولعلنا نلحظ هنا أن امتلاك الثروة يسهل الوصول للحالة النخبوية في حال تسخير هذه الثروة ومزاوجتها بالسلطة وأهل السلطة، ولكن بالتأكيد أن الثروة لوحدها لا تضمن دوما الوصول للنخبوية السياسية إذ أنه من الممكن أن يتحول كثير من الأثرياء إلى مجرد مستثمرين وجامعين للأموال إذا لم يتمكنوا من توجيه الثروة لحشد الدعم العشائري والقبلي والحزبي وبالتالي السياسي الذي يمكنهم من ترجمة حالة الملاءة المالية إلى حالة تأثر سياسي.
بعض النخب الأردنية تستطيع وبحكم صلاتها الظهور والحضور المستمر على المسرح السياسي وتصبح وجوها مألوفة عبر وسائل الإعلام تسعى لتحقيق مصالح شخصية يخدمون أبناءهم وعائلاتهم وأقاربهم، وتحال عليهم العطاءات الحكومية، ويستحوذون على المواقع القيادية.
أما المزارعون والعمال والمعلمون والطلاب والقاطنون في الأرياف والبوادي والمخيمات والمواطنون البسطاء الذين لا تكاد تغطي مقدراتهم الحد الأدنى لمعيشتهم فلا يشعرون بان صالونات ولجان الحوار الوطني أو الحوار الاقتصادي ولا غيرها من المنابر التي تسيطر عليها النخبة تمثل همومهم، وعليه فإنهم يشعرون بالهامشية وعدم التأثير وأنهم مستثنون من المساهمة في صياغة مستقبلهم.
كثير من النخب السياسية ليس لها طابع شعبي تمثيلي وإنما يتم اختيارها لاستيعابها والاستحواذ على ولائها مقابل منحها الفرص والمال والألقاب والسلطة والجاه والنفوذ والظهور على وسائل الإعلام الرسمية بصفة خبراء وفقهاء وشيوخ ومحللين سياسيين وغير ذلك من أسماء هم يسمونها وما يلبثون أن يصدقوا أنفسهم مع الزمن أنهم قادة فكر وأنهم نخبة المجتمع وينسون أن من صنعهم يستطيع أن يعيدهم إلى حالتهم الأولى.
النخبة السياسية المنتخبة من قبل الناس كالنواب والقادة النقابيين وممثلي الجمعيات المختلفة هم نظريا أكثر تمثيلا لمصالح الناس وأجرأ وأقدر على التأثير في العملية السياسية والإصلاح السياسي المنشود شريطة أن يكون قد تم انتخابهم بطريقة نزيهة ووفق قوانين عادلة وديمقراطية تعكس تركيبة المجتمع وخارطة القوى السياسية له.
من الناحية العملية فإنه ما زال هناك بون شاسع بين مصالح النخب السياسية ومصالح الناس حيث يسعى الكثيرون من المنضوين تحت لوائها إلى تعظيم مكاسبهم الشخصية والعائلية وتأمين مستقبلهم متخذين من المصلحة العامة وسيلة لتحقيق مكاسب خاصة والتي ما أن تتحقق حتى يضربوا عرض الحائط بمصالح الناس التي طالما تغنوا بها.
المرحلة الحساسة التي يمر بها الأردن حاليا تحتاج إلى إشراك حقيقي لفعاليات وقطاعات اجتماعية واقتصادية وسياسية أكثر تلمسا وتمثيلا للقواعد الاجتماعية ولنبض السواد الأعظم من الأردنيين ويجب على الحكومة أن تسعى لإشراك الناس في صناعة مستقبلهم بدلا من اختيار الشخوص والوجوه ذاتها بتكرار لم يعد يفهم المواطنين سببا له.