صدمة فوز "الفيل" ترامب في الانتخابات الأمريكية ما زالت تشغل العالم وتُفجر عشرات الأسئلة بشأن سياسات الرجل سواء داخل أمريكا أو خارجها، فالتصريحات النارية وغير المسبوقة التي صدرت عنه خلال الحملة الانتخابية في ملفات عدة أثارت القلق والتوتر لدى العديد من دوائر صنع القرار، وكانت تلك الدوائر تتساءل وتفكر في كيفية التعامل مع ترامب وتوجهاته في حال أصبح رئيساً.
ترامب المرشح ليس هو ترامب الرئيس، فالمرشح يتمتع بهامش حرية واسع ويطلق الآراء والتصورات بدون قيود، في حين أن الرئيس ومهما حاول التمتع بالحرية والاستقلالية إلا انه يبقى محكوماً بما يتوفر للمخابرات المركزية من معلومات وتحليلات ترسم المصالح القومية وتحدد المخاطر التي تواجه تلك المصالح والسياسات المطلوبة حيال ذلك مما يجعل الرئيس، أي رئيس في حال عدم اقتناعه ببعض التصورات التي تقدم له من السعي لصنع تفاهمات معينة تجنبه التصادم مع الجهات الأمنية أو العسكرية أو الاستشارية التي تقدم له المشورة .
رغم الجدل الكبير الذي رافق آراء ترامب السياسية والاقتصادية خلال حملته الانتخابية إلا أن المتتبع لتلك التصريحات ولمستشاره ومدير حملته الانتخابية وليد فارس يستطيع التوصل إلى الاستنتاجات التالية:
أولاً: ستكون مهمة محاربة الإرهاب والحرب على داعش أكثر جدية وحزماً وفاعلية، وهو أمر تحدث عنه ترامب مراراً، واتهم منافسته كلينتون بأنها هي من دعمت وساهمت في "إنتاج" داعش وساهمت في دعم الإخوان المسلمين وفي إسقاط أنظمة لم يكن من المطلوب إسقاطها مثل نظام القذافي ونظام مبارك، لهذا يمكن القول إن حركة الإخوان المسلمين خسرت بسقوط كلينتون الفرصة الذهبية الجديدة للعودة للمشهد السياسي في أكثر من دولة عربية وبخاصة في مصر حيث راهنت الحركة وبكل ثقة على الثقل القادم والمتوقع لهيلاري كلينتون لدي دخولها البيت الأبيض، وعملت وبتواصل حثيث مع مديرة حملتها الانتخابية "هوما عابدين" والمستشارة في البيت الأبيض التي عينها أوباما داليا مجاهدة ( متعاطفتين مع الإخوان ) للتخطيط لإعادة الحركة للحكم بما في ذلك مخطط ما سمي "بثورة الغلابة " في 11/ 11.
موعد " ثورة الغلابة " دُرس بدقة ليعقب وبأيام إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية والتي كانوا يتوقعون وبكل ثقة أن تفوز بها كلينتون، وكان المخطط أن تقوم كلينتون وبعد ما خطط له من شغب وأعمال تخريبية تحت اسم "الثورة" أن تطلق تصريحات تدين ردود الفعل للجيش والأجهزة الأمنية المصرية في التصدي لتلك الأعمال للأعمال المشار إليها بحيث تكون تلك التصريحات بداية سياسية وإعلامية للانقضاض على شرعية الحكم الحالي في مصر وضوء أخضر للمصريين للانخراط في "الثورة"، وللعالم للابتعاد عن مصر وتحديداً البنك الدولي الذي يتفاوض مع مصر على قرض تبلغ قيمته الإجمالية 12 مليار دولار يقدم البنك بموجبه دفعة أولى قيمتها 2,75 مليار دولار والذي سيكون له أثر واضح وإيجابي على مجمل الاقتصاد المصري الذي يتعرض لمضايقات وخنق مدروس من قبل لوبي الإخوان في مصر والخارج.
وليد فارس مستشار ترامب لشؤون الشرق الأوسط أعلن بشكل صريح وواضح "إن ترامب سيمرر مشروع يعتبر الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، وهو المشروع الذي ظل معلقًا داخل الكونغرس لعدة أعوام بسبب عدم تصديق البيت الأبيض عليه نظرًا لأن أوباما كان يدعمهم".
ثانياً: من التوجهات البارزة لترامب وطاقمه السياسي هو الاستمرار في "احتواء" إيران ورفض الاتفاق النووي الذي أبرمه أوباما في العام الماضي، ويبدو أن التوجه لدى الإدارة الجديدة التي تتمتع بثقل وأغلبية في الكونغرس هو الانسحاب من الاتفاق، وهو ما أشار إلى إمكانيته السياسية والقانونية المتحدث بلسان الخارجية الأميركية مارك تونر، أما ترامب فقد وصف هذا الاتفاق بأنه "كارثي" لقناعته بأن طهران تدعم الإرهاب في الشرق الأوسط والعالم ويجب إبقاء العقوبات ضدها.
وتتوقع عدة مراكز أبحاث ودراسات أنه في حال إقدام ترامب على الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، فإن تلك الأخيرة ستقوم بإشعال حرب مع إسرائيل عبر حزب الله لخلط الأوراق في المنطقة والإقليم ودفع الإدارة الجديدة للتفاهم معها والضغط عليها باتجاه الاستمرار بالاتفاق والالتزام برفع العقوبات التي رُفعت عنها .
ثالثاً: رغم التصريحات التي تتحدث عن ثراء الدولة الخليجية ورغبة ترامب في إرساء معادلة جديدة للتعامل معها وهي "الأمن مقابل المال" والتي تحولت لمادة فكاهة وسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن الرئيس الأمريكي الذي انتقد ضعف إدارة أوباما وسياسته في الشرق الأوسط يدرك أن مواجهة إيران هي بالضرورة بحاجة للعودة إلى علاقات دافئة مع السعودية ودول الخليج العربي والأردن وهي العلاقات التي أضعفتها الإدارة السابقة ضمن مخطط مدروس لتقوية إيران ومشروعها الطائفي في المنطقة.
ليست مصادفة على الإطلاق أن يكون ترامب نذير شؤم في نظر الإسلام السياسي الشيعي ممثلاً بإيران وتوابعها، وفي نظر الإسلام السياسي السني ممثلاً بالإخوان المسلمين وداعميهم الإقليميين، فالطرفان يلتقيان بمشروعيهما على حساب النظام العربي الرسمي والعمل على إضعافه واستبداله إما بمليشيات أو أنظمة تابعة لهما.