بتزامن متقارب نوعا ما, ستنعقد لدينا "أو هكذا يفترض"، قمة عربية في زمن عربي وعالمي إستثنائي, بينما يشرع الرئيس الاميركي الجدلي الجديد "ترامب", مهامه رسميا.
وهي قمة ستحتضنها عمان أيضا في ظرف أردني اقتصادي عصيب غير مسبوق ينذر بمخاطر كبيرة , إذا لم يكن هنالك حل إستراتيجي جذري يلغي وإلى الابد استمرار حاجة الاردن إلى مساعدات الغير كي يتمكن من العيش طبيعيا, فسياسة تدبر الأمور ولو إلى حين لم تعد قابلة للعيش بعد اليوم , في عالم يتغير كل لحظة إن لم يكن كل ثانية, ووصفات المؤسسات المالية الدولية الجاهزة لكل إقتصاد وطني مريض, لم تعد تجدي نفعا, لا بل باتت مجرد عوامل ضغط معيشي إضافية على رقاب الشعوب الفقيرة , وسياسي على كواهل حكوماتها .
هناك درس مهم جدا وعبرة أهم, في وصول ترامب إلى سدة أعلى رئاسة في العالم, فالرجل وبرغم سائر ما يسمى باستطلاعات الرأي والتحليلات والدراسات وسوى ذلك من خزعبلات , ووقوف العالم كله ضد إمكانية فوزه , لا بل وحتى تخلي الرموز القيادية في حزبه عنه, تحدى كل الدراسات والتحليلات والإستطلاعات والعالم , وفاز ! , فكيف تحقق له ذلك!
ببساطة لكل المستغربين والمندهشين من فوزه, فلقد أثبت ترامب , أن صوت "الصامتين" من الشعوب , اقوى واكثر أثرا من سائر اصوات ما يسمى بالنخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية , وكل زاعمي النخبوية المترفين في أي مجتمع على هذا الكوكب , بما في ذلك المجتمع الاميركي نفسه , فعند صناديق الإقتراع الحقيقية لا المزيفة مثلا, لا فرق بين إرادة الإنسان والإنسان الآخر أميركيا كان أم مواطنا من أكثر دول الارض فقرا وتخلفا , ومن ينظر بعين محايدة لما جرى , يرى ان فقراء أميركا ومتعطليها والناقمين على نخبها المتنعمة في نيويورك وواشنطن وسواهما , هم من قرروا ان يكون ترامب الذي شنع الكثيرون في تشريحه حد وصفه بالجنون ,هو زعيم اميركا والعالم!
لا علينا , وعودا إلى القمة المنتظرة عندنا في أسوأ حال يشهده العرب تفرقا وهوانا وتمزقا في تاريخهم المعاصر , فإن بمقدورنا كأردنيين ربما , أن نجعل منها " قمة الإنقاذ " لنا ولكل العرب , إن نحن مارسنا الإبداع السياسي الخارج عن المألوف التقليدي في عقد القمم العربية الفاشلة التي زادت الفرقة بين العرب فرقة أكبر .
بإختصار , وبلا مقدمات, أقترح , أن يتبنى الاردن توجيه الدعوة رسميا ومنذ الآن , للرئيس الاميركي الجديد وجميع رؤساء الدول الكبرى الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي , لحضور القمة العربية في الاردن " البحر الميت " قبالة فلسطين كضيوف شرف , وأن يتلخص جدول أعمال القمة في بند رئيس هو حل تاريخي عادل للقضية الفلسطينية وفقا لمبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية , وبنود اخرى تتعلق بالارهاب وتعاون المجتمع الدولي كله في صده ليس في منطقتنا وحدها , وإنما في سائر ارجاء الكوكب أيا كان مصدر هذا الإرهاب وشكله, وأخرى تتعلق باليمن وليبيا والعراق .
كما أقترح توجيه الدعوة لجميع الرؤساء العرب بلا إستثناء , وللمعارصة السورية واليمنية , إلى جانب رؤساء دول النفوذ الإقليمي ومنها تركيا وإيران مثلا .
إن قمة عربية قوية بحضور ومشاركة عالمية قوية, بمقدورها كسر الجدار وتحطيم الحواجز وتحقيق ما قد يبدو في نظر البعض مستحيلا, أو على الأقل , تهيئة العرب والعالم للخروج من حالة التجمد التي حصدت وما زالت , أرواح الملايين وباتت تنذر بما هو أخطر إن إستمر هذا الواقع العربي والإقليمي المزري الخارج عن نواميس الكون كلها ! , إلى حد إنهيار النظام السياسي الرسمي العربي كله , كما حذر المرحوم الراحل الكبير الملك الحسين مرارا , إبان الحرب العراقية الإيرانية!.
من العبث ومن غير المعقول أن يستمر حال الشرق الاوسط المحزن إلى الأبد , ومن غير المعقول أن يستمر حالنا الاردني الراهن والمستحكم تاريخيا بإعتبارنا وجهة مستحبة لكل مصائب وتبعات وإفرازات معضلات الشرق الاوسط , في زمن ندرك فيه , أن داعمينا الوحيدين تاريخيا من أهلنا في الخليج العربي , لديهم اليوم ما يكفيهم من تحديات وهموم أملتها عليهم وعلينا معهم , ظروف خارجة عن إرادتنا جميعا .
بمقدورنا في الاردن ان نستثمر القمة التي قد تثير ربما سخرية الإنسان العربي سلفا عطفا على مسلسل القمم السابقة , بذكاء سياسي قد يجعل منها بعون الله قمة الإنقاذ والحلول التاريخية لمصائب الشرق الاوسط كله , بمشاركة جميع من بأيديهم مفاتيح الحل , وهم جميعا متأثرون مصلحيا ويأملون بالحل , وما على المتخوفين من العهد الاميركي الجديد , إلا التفاؤل , فإن كان هناك من يرى في ترامب مجنونا , وأنا أختلف معه تماما , فليعلم أن الحكمة تؤخذ من أفواه من يوصفون هكذا, حتى وهم ليسوا كذلك , فماذا فعل المصنفون بالعقلاء في المقابل , غير الدمار والقتل والتشريد . الله جل جلاله من وراء القصد.