الكتل النيابية كحالة تعويضية
د. هايل ودعان الدعجة
10-11-2016 02:02 PM
تعكس تشكيلة مجلس النواب المستوى او الواقع السياسي السائد في الدولة او ما يمكن التعبير عنه بالثقافة او بالبيئة السياسية ، وهي بالتالي افراز لحالة سياسية عامة تسود المجتمع ، بحيث يمكننا قراءة المشهد السياسي والحكم عليه من خلال هذه التركيبة النيابية ، التي تترجم هذه البيئة السياسية والثقافية ، وتعكسها أداء نيابيا تحت قبة البرلمان . فكلما كان النائب مثقفا سياسيا او منتميا لمؤسسات وتنظيمات سياسية وحزبية ومجتمعية ، كلما انعكس ذلك إيجابيا على أدائه النيابي وسهل من عملية اندماجه وانخراطه بالعمل الكتلوي البرامجي المؤسسي ، الذي يعول عليه كثيرا في اثراء هذا الأداء وتفعيله والارتقاء به الى مستويات متقدمة وطموحة .
واذا ما اسقطنا هذا الوصف على واقعنا السياسي والنيابي ، لوجدنا اننا ـ مع كل أسف ـ امام حالة سياسية عامة متواضعة ، ولا يعتد بها للانتقال بالحالة البرلمانية الاردنية الى مرحلة متقدمة ، وهي المسؤولة عن ضعف المجالس النيابية . لذلك ليس مستغربا ان يطغي الطابع الفردي على العمل البرلماني ويجعله عرضة للاختراق من قبل الحكومة التي تمتلك من الوسائل والأدوات ما يجعلها قادرة على اضعاف دور النائب الرقابي والتشريعي ، بحيث يبقى جهده منصبا على تحقيق مصالحه الخاصة ، او ما يعتقد انه يرضي قواعده الانتخابية من خدمات وتعيينات وإنجاز معاملات وغيرها على حساب مهامه الدستورية . ما افقد المواطن الثقة ليس بمجلس النواب فحسب ، وانما بالسلطة التنفيذية ايضا التي رأى انها تتغول على البرلمان ، الامر الذي أدى الى تراجع نسبة الاقبال على صناديق الاقتراع ، خاصة في صفوف الفئات المثقفة والمتعلمة ، امكن تعويضه او تعبئته عن طريق المال الأسود ، بطريقة مهدت الطريق لعدد من النواب غير المؤهلين للوصول الى البرلمان .
من جهة أخرى ، فرغم الفرص التي اتيحت امام الأحزاب منذ صدور قانون الأحزاب الاردني لعام 1992 ، لاثبات حضورها على الساحة البرلمانية ، وترجمة هذا الحضور الى تمثيل حزبي تحت قبة البرلمان ، الا انها فشلت في ذلك ( باستثناء حزب جبهة العمل الإسلامي ) . فما زال الكثير من الأحزاب لا تجرؤ على الإفصاح عن أسماء مرشحيها لخوض الانتخابات ، الا اذا نجحوا . ما كرس القناعات بان واقعنا الحزبي استقر على هذا الوضع ، وبات من الصعب تغييره او تطويره ، ولم يعد قادرا على التفاعل مع الاحداث والقضايا المختلفة الا في المناسبات ، وعلى قاعدة الفزعة كالانتخابات مثلا .
ما يؤشر الى افتقارها للبرامجية والعمل المؤسسي الممنهج . وكلها تحديات وسلبيات فرضت نفسها على المشهد البرلماني ، بطريقة اعاقت من أداء المجالس النيابية ، وحالت دون تطبيق مفهوم الحكومات البرلمانية .
ومن اجل تعويض الاخفاق الحزبي تحت قبة البرلمان ، تلجأ المجالس النيابية الى تشكيل كتل نيابية لقناعتها بأهمية الأداء النيابي الجماعي . ورغم الانتقادات التي توجه الى هذا النوع من الكتل ووصفها بالهشة والهلامية ، الا انها تبقى محاولات مقدرة وتستحق الإشادة والثناء ، خاصة اذا ما عرفنا الصعوبات التي تواجه القائمين على تشكيلها .
إذ ليس من السهل اقناع النائب بالانضمام الى أي كتلة ، ما لم تترسخ لديه القناعة بجدوى هذا الانضمام ، ومدى التوافق والتقارب والانسجام بين أعضاء الكتلة في الافكار والاراء والمواقف حيال النقاشات والقضايا المطروحة ، والا فانه سيغادرها بحثا عن كتلة أخرى اكثر توافقا وانسجاما .
ورغم قناعتنا بان هذا النوع من الكتل لن يكون بديلا او بمستوى الكتل النيابية الحزبية البرامجية التي يعول عليها في الارتقاء في الأداء النيابي ، والوصول الى الغاية من مشروع الإصلاح الوطني ممثلا بالحكومات البرلمانية ، الا انه يبقى محاولة جماعية تعويضية مقبولة وافضل من العمل النيابي الفردي او المستقل بكثير .