سياسة ربط لعملتنا المحلية بالعملة الاميركية منذ اكثر من 13 عاما ، وهو ربط للاقتصاد الاردني بمكونات وقدرات اقتصادية خارجية تتأثر سلبا وايجابا بما يحدث في العالم ، ويضاف الى ذلك الربط سلسلة علاقات تجارية وصناعية عبر اتفاقيات خصصت لعبور الصانع الاردني الى اسواق الولايات المتحدة ، فيما الودائع في الجهاز المصرفي تنمو بالدولار ، وتتدهور اسعار الاسهم في غير بورصة عربية ومنها بورصتنا .. وسط كل هذا الصخب يطل علينا من يقول " ان الازمة المالية الكبيرة في اميركا لا تعنينا في شيء " .

تشير السياسات التي انتهجها البنك المركزي الاردني الى خطين كل منهما يسير في طريق مختلفة ، فالابقاء على ربط الدينار بالدولار يجعل الاقتصاد الاردني عرضة للاهتزازات التي تتعرض لها هذه العملة العالمية في بلادها ، ومما يؤثر لاحقا على قوة الاقتصاد الاردني في اكثر من صورة ليس اقلها هبوط سعر الدولار وتراجع اسعار النفط وانسحاب صناديق الاستثمار من الاسواق الناشئة لصالح تسييلها والتأثر على نحو مباشر من الركود الذي يصيب معظم القطاعات الاقتصادية في الولايات المتحدة ، وفي استمرار سياسة الربط ما يمس القدرة الحقيقية للاقتصاد الاردني على التكيف مع الازمات ومواجهة الاضطرابات المالية .

اما السياسة التي كشفت عن حصافة المخططين في البنك المركزي ، فتمثلت مؤخرا في وضع نسبة اعلى للاقراض العقاري في البلاد لا تتجاوز نسبة 20 % من الودائع بالدينار ، وهي سياسة اثبتت نجاعتها رغم الانتقادات التي وجهت اليها قبل منذ مطلع العام الحالي . بالعودة الى الاثر المترتب على اوضاعنا الاقتصادية ، فان ودائع الجهاز المصرفي المحررة بالعملات الاخرى وتحديدا بالدولار تعد مرتفعة وتبلغ نسبتها نحو 40 % من اجمالي الودائع في الجهاز المصرفي ، ونسبة كبيرة منها ليست قيد الاقراض محليا ، مما يدفع البنوك الى اعادة ايداعها في بنوك اوروبية واميركية واسيوية ، وبما ان الازمة المالية التي تعصف بالويلايات المتحدة حاليا تمس البنوك الاستثمارية اكثر من التجارية فأن الودائع المحررة بالعملات الاخرى ستتأثر تبعا لما سيطال البنوك الاجنبية من تأثيرات وافلاسات ومضاربات .

ليست الودائع فحسب ، لدينا شبكة علاقات صناعية وتجارية مع العالم وتحديدا الولايات المتحدة واوروبا واسيا ، فنحن نستورد ونصدر الى اميركا ، وما المناطق الصناعية المؤهلة ( QIZ ) او اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة ( FTA ) الا صورة لهذا الشكل الاقتصادي الذي يتأثر بما يحدث في الولايات المتحدة سلبا ام ايجابا ، وثمة ما هو اكثر اثرا من ذلك ، فالنفط واسعاره عرضة للتقلبات بموجب هذه الازمة ، ومبيعات النفط لدى دول الخليج العربي تشهد تراجعا مرده انخفاض الطلب على الاستهلاك في الولايات المتحدة ، وبموجب هذا الانخفاض فان تراجعات كثيرة تطال قطاعات اخرى مثل مبيعات السلع والسيارات – مبيعات شركة فورد تراجعت 40 % في الشهرين الاخيرين - وهو ما سينسحب على باقي القطاعات ويطال الاقتصاد الاردني جانب من خط الانحدار هذا .

وفي اسواق النفط ايضا ، يمكن قياس حجم تأثر الاقتصاد الاميركي مما يجري " وول ستريت " فسعر برميل النفط انخفض بمقدار 60 دولارا خلال شهر ، فبينما كان سعره 150 دولار قبل نحو شهر انخفض حاليا الى 90 دولار للبرميل بفعل تراجع الطلب لدى الاقتصاد الاميركي الذي يشكل نحو 30 % من الاقتصاد العالمي .

ولعل البورصات مرايا تعكس صورا اكثر صدقية من تصريحات المسؤولين والمصرفيين العرب ، فبورصة عمان هبطت امس بنسبة اكثر من 3 % فيما خسرت بورصة الرياض نحو 10 % من قيمتها السابقة ، وهوت مؤشرات الاسعار في معظم البورصات العربية لا سيما الخليجية منها .

مطلوب من المسؤولين الاقتصاديين في القطاعين العام والخاص الاستفادة من هذه الازمة ومحاولة تقليص الخسائر وتفعيل انظمة الرقابة ليتمكن الاقتصاد المحلي من الخروج منها باقل الخسائر ، اما الحديث عن ان تداعيات هذه الازمة لا تطالنا ليس سوى ذرا للرماد في العيون ، فالعالم امسى حارة الكترونية صغيرة تؤثر وتتأثر فيها كافة القطاعات الاقتصادية في كل الدول على نحو عاجل ، فكيف ونحن على صلة وثيقة بالاقتصاد الاردني من خلال عملتنا وصناعتنا وتجارتنا ومصارفنا .