السيناريو الروسي والأميركي وتقاطعه بشرقنا
د.حسام العتوم
09-11-2016 01:01 PM
لم يكن ممكنا لأية جهة لوجستية أن تتوقع بأن الربيع العربي الذي أرسى عمق جذوره في العراق ثم انتقل الى تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن 2003-2011 وفي غير مكان في بلاد العرب بعد ذلك سيتحول الى صفحة سوداء تعج بالإرهاب بكافة اطيافه وهو الذي انطلق من عمق رحم الجناح السلبي للوهابية في شرقنا، مخترقاً في حراكه عدة دول عربية وأخرى عجمية مثل ايران وأفغانستان الى ان اكتشفه الاستخبار الغربي وحول مساره لتشكيل فصيل القاعدة الارهابي، الذي ظهر على شكل مجموعات اطلقت على نفسها لقب «المجاهدون» من اجل طرد السوفييت من افغانستان عام 1979 .
كتب عبد الباري عطوان في كتابة (القاعدة – التنظيم السري- ص 15 يقول): «ما يميز تنظيم القاعدة» عن غيره من التنظيمات الاخرى، هو قدرته على المفاجأة، وتطوير نفسه من خلال التوسع، وإنشاء فروع جديدة في مناطق عديدة من العالمين الاسلامي والغربي، وهذا ما يفسر فشل محاولات استئصاله او القضاء عليه رغم الجهود والأموال الضخمة وتعدد الجهات الاستخبارية العالمية المتحالفة من اجل تحقيق هذا الهدف»، وما كان لأحد في المقابل ان يتنبأ بأن الارهاب الذي عشعش في افغانستان كان بإمكانه ان يخترق دولاً عربية كانت صامدة كالقلاع مثل (العراق وسورية وليبيا واليمن) ثم انهارت انظمتها السياسية او أصابها الاهتزاز، ولولا ما استشرى بها من فساد كبير اخترق الداخل والحدود.
وإذا ما وضعنا سورية والعراق تحت المجهر، وعرجنا على ليبيا واليمن قليلاً، واجّلنا الحديث عن القضية الفلسطينية الى وقت أخر رغم اهميتها القصوى باعتبارها مفتاحاً للسلام الدائم في شرقنا العربي وعلى خارطة العالم، فأن امتداد الصراع بين النظام السياسي العربي والإرهاب ممثلاً بتنظيم القاعدة الام، وعصابتي «داعش» و»النصرة» من الخوارج له اسبابه الداخلية غير المبررة بطبيعة الحال، وبكل ما عكست من المعاناة والديكتاتورية والظلم والفساد.
والإصلاح يجب ان لا يعني القتل وحرق الاجساد حية، والسفاح، والتشريد، والهدم، والغاء الحضارات، ونشر الرعب وسط العرب والبشرية
وللصراع هذا اسبابه الخارجية ايضاً، وهنا لا نغفل بأن الحرب الباردة التي ظهرت في باطن الحقبة السوفيتية وفي عمق الغرب ذات الوقت ورافقها سباق التسلح ومنه الفضائي اخترقت جدرانها واستمرت حتى الساعة، بعد انقلابها من العلنية الى السرية واقترابها من الطرق المسدودة رغم رفض الجانب الروسي لها في الوقت المعاصر وهو الذي رافق انهيار المنظومة السوفيتية بسبب تقديم ميخائل غور باتشوف السياسة على الاقتصاد، وعدم اتباع الموديل الصيني وتراجع هيمنة القطب الواحد بعد ظهور اقطاب متعددة على كوكب الارض، واعتماد روسيا في توجهها الجديد على هذا الاتجاه آنذاك، وشكل عملا استراتيجياً لا رجعة عنه.
ولقد راقبت موسكو على الدوام حراك الصفائح السياسية والاقتصادية والعسكرية وسط شرقنا العربي، ونظرت اليها من زاوية القانون الدولي، ومنه الانساني، وتمسكت بأوراق مجلس الامن والأمم المتحدة، وكانت قلقة على الدوام على مصالحها القومية، وعبرت اكثر من مرة عن عدم رضاها عن فوضى الحل العسكري الغربي في افغانستان والعراق وليبيا وسورية واليمن. وقدمت الى شرقنا نظريتها العملية، واقتربت من امريكا للتعاون في هذا المجال قبل انسداد الافاق.
والان روسيا في حلب تدير الصراع على السلطة بين نظام دمشق وعصابة(جبهة النصرة) الارهابية من جهة ومع المعارضة الوطنية السورية من طرف اخر وعينها على (الموصل) في العراق، ولديها هاجس وتخوف من احتمال زحف (داعش) تجاه حدود سورية لإفشال مشروعها الطارد للإرهاب فيها، حسب وزير خارجيتها سيرجي لافروف، لإعلام بلاده الفضائي R.T.R، وتساند مشروع نيوزيلندا في مجلس الامن الداعي لإخراج (جبهة النصرة) من شرقي حلب،
بينما المواطن السوري وأطفاله في الواجهة رغم الهدنة التي اعلنت عنها موسكو اكثر من مرة، ومددتها لتصل الى 24 ساعة، بينما المطلوب مخارج دائمة للمواطنين، والابتعاد كلياً عن قصف مدينة حلب بالطائرات الحربية المقاتلة، وترك الجيش السوري وبدعم روسي ودولي يتصرف في تحرير اهم مدن بلاده مثل (حلب) المحاذية لمدينة (الرقة) الخطيرة والمصنفة على انها من اهم مدن عصابة (داعش) الإرهابية المجرمة.
واعتقد جازماً بأنه لا يوجد سلاح جو محترف في العالم قادر حتى الساعة على تجنيب المواطنين خطر الضربات الجوية العاملة تحت تكنولوجيا الفضاء، وفي المقابل لدي قناعة اكيدة بأن العقلية السياسية الروسية وكذلك العسكرية لا تقصد ولا تستهدف المواطنين في سورية واطفالهم، رغم ما يقع من اخطاء على الارض. وامتلك عدة ادلة على قولي هذا من اهمها تسمك موسكو بأهمية صناديق الاقتراع في دمشق في تحديد مستقبل الدولة السورية وهي التي درسّت آلافا مؤلفة من العرب، وحافظت على وحدة اراضيها والتشبث بخيار السلام في (جنيف) بعد تخليص سورية من آفة الارهاب، وهو عمل طويل المدى وجبار دفع ثمنه شعب سورية بعد الترهل والفساد الكبير الذي اصاب نظام بلاده، فحصل القتل والتشريد على الارض. وتبقى النوايا الطيبة بطبيعة الحال من طرف نظام الاسد ومن طرف موسكو هي عنوان المرحلة. وروسيا البالغ مساحتها اكثر من 17 مليون كيلومتر مربع ليست بحاجة لممارسة الاحتلال خارج حدودها كما يشاع اعلامياً او لإعادة تجربة افغانستان في اتون الحرب الباردة العلنية عام 1979، وهي «أي روسيا» التي سبق لها في التاريخ المعاصر ان دفعت فاتورة مقدارها 27 مليون شهيد في العهد السوفيتي في اتون الحرب الوطنية العظمى (الحرب العالمية الثانية 1940/ 1945)، من اجل دحر ارهاب ادولف هتلر، لا يمكنها ولا بأي شكل من الاشكال ان تكون قد جاءت لبلادنا العربية وتحديداً في سورية لممارسة الارهاب والاحتلال لا سمح الله وقدر. ومع هذا وذاك روسيا هنا لمواجهة جماح الحرب الباردة التي يماحكها علنا وسراً من جانب الغرب الامريكي ان صح التعبير، وهي التي تحاوره ذات الوقت، ولكي تثبّت أرجلها وأسطولها استراتيجياً في الشواطئ العربية السورية، ولتضمن السيطرة على مصادرها الطبيعية، والتي في مقدمتها الغاز في الميدان الاوروبي من دون منافسة الخليج العربي لها، وليكون لها الدور الرئيسي في اعادة بناء سوريا الوطن الذي هدمه الارهاب القادم اليها من 80 دولة. ولا ننسى هنا وقفة روسيا مع سورية في انتصار تشرين 1973. ولقد اثبتت روسيا في الحرب الدائرة على الارض السورية قدرتها على اعادة بناء اثار مدينة تدمر، وعلى ان تقديم المساعدات الانسانية بأطنان كبيرة، وعلى نقل مجموعات من اطفال سورية الى معسكرات أمنة الى داخل الاراضي الروسية. قال الرئيس فلاديمير بوتين في كتابه افكار حول روسيا. ص.7. «نحن لا نضع انفسنا في دائرة العداء وهذا مستبعد اننا نمتلك علاقات طيبة مع معظم بلدان العالم». والسيناريو الامريكي في المقابل في منطقتنا الشرقه اوسطية قديم وتاريخي واخطبوطي لامس القضية الفلسطينية بعمق منذ عام 1948 واستشرى في العراق وليبيا وسورية واليمن، وله في كل ركن عربي وعجمي احجية وأجنحة مترامية الاطراف (في افغانستان وإيران وكوريا واليابان وفي اوروبا) وفي كل مكان، وهنا في شرقنا وجدت امريكا في اسرائيل مصلحة لها، وكذلك الامر في نفطنا وغازنا العربي. وجعلت من عشقها لأهمية سيطرة قطبها الواحد عنواناً، وافترضت تفوق قدراتها العسكرية خاصة النووية منها، وامتلاكها لقدرة توجيه الضربة الخاطفة بهدف تحقيق نصر سريع.
لكن القرارات الروسية السياسية والعسكرية مختلفة تماماً، ولديها تصورات مذهلة قادرة على قلب توقعات واشنطن رأساً على عقب. وهنا شخصياً ادعو للسلام فقط، وللمحافظة على بيت البشرية جمعاء، واعني الكرة الارضية الوحيدة القابلة للحياة حتى وقتنا هذا. وعودة الى الحرب على (الموصل) (اهم مدن عصابات داعش الارهابية في العراق) والتي تقودها امريكا بالتعاون مع فرنسا وتركيا والبشمركة الكردية وجيش العراق بطبيعة الحال وإيران وقوات حشدها، فأن ما زرعته امريكا وقطفته ايران عام 2003 بعد حل جيش العراق الاصيل بدأت تقطف ثماره في مواجهة ارهاب داعش وجهاً لوجه. وقضية ايذاء المواطنين المسالمين في العراق ستبقى ماثلة بسبب استخدام الطيران العسكري لحسم الصراع الدائر هناك على السلطة في بغداد وبإمكان امريكا ايضاً ان تعزف عن هذا الموديل العسكري، وتتفرغ لدعم جيش العراق على الارض وبجهد دولي، وإعادة بناءه باستمرار ليتمكن من تحرير اراضيه بنفسه وبهمة ابناء عشائر العراق ايضاً. وقصة (داعش) كما (جبهة النصرة) ومسيرة ارهابهما لا تنتهي، ولا يمكن اقتلاعها من جذورها بواسطة الخيار العسكري فقط، ومدينة (سرت) الليبية من اهم مدن داعش ايضاً ولها امتدادات في جزئيات بلاد العرب وافريقيا، ولها خلايا نائمة على وجه الارض.
وحول ما اذا كان بالإمكان فصل (جبهة النصرة) عن المعارضة السورية الوطنية حسب الطلب الروسي في لوزان 16/ تشرين اول 2016؛ فأن الامر يتطلب توجيه سؤال للمعارضة السورية المتضررين اصلاً فيما إذا ارادت ان تعمل على الارض السورية لوحدها من دون حماية من المواطنين السوريين ومن غيرهم حيث انها مستهدفة من قبل النظام السوري بسبب حملها للسلاح بوجهه مما ستعتبرها روسيا ايضاً جزءاً من حراك الارهاب. واكرر القول هنا وبوضوح بأن خير من شخص مسألة التعامل مع خوارج العصر هو سيدنا جلالة الملك عبدالله الثاني حفظة الله في اكثر من مناسبة، ومحفل دولي، حيث قال جلالته في احداها في الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام 2016: ان هذه الحرب عالمية الطابع ويجب ان لا ينحصر التركيز فيها على الشرق الاوسط، بل يجب ان تشكل افريقيا الغربية والشرقية وجنوب شرق اسيا ومنطقة البلقان وفي سورية النهج العسكري لن يحقق نصراً لأحد، وعلينا ان نسترشد برؤية دولية موحدة، يقودها كل مكونات الشعب السوري، وفي العراق فأن الدعم الدولي غاية في الاهمية في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة والشعب الى القضاء على الخوارج.
وفي الختام الفت الانتباه لأهمية ربط الايدولوجيا والتكنولوجيا بحزمة العسكرة والأمن في مواجهة الارهاب.
"الراي"