فيما انتهى المؤتمر الشعبي الذي نظمه ناشطون في معان بالمطالبة “بطي” صفحة التعديلات التي اجريت على بعض المناهج ، منع اهالي طلبة “ساكب” بمحافظة جرش ابناءهم من الالتحاق بمدارسهم احتجاجا على التعديلات اياها ، في المقابل سلمت لجنة مراجعة المناهج توصياتها امس الاول لوزارة التربية والتعليم ،واكد وزير التربية والتعليم الدكتور محمد ذنيبات – لدى ترؤسه بالوزارة اجتماعا لمجلس التربية والتعليم – أنه سيتم أخذ جميع التوصيات بالتقرير الذي اعدته اللجنة (بعين الاعتبار ) ضمن نهج وفلسفة وزارة التربية والتعليم التي تقوم على الفهم العميق للعقيدة الإسلامية وتراعي ثوابت الأمة العربية.
السؤال الان هو : هل سنطوي هذه الصفحة ام ان ( عين الاعتبار) التي اشار اليها الوزير ستتعامل مع القضية التي اثارت انتقادات الناس بمنطق : قولوا ما شئتم وسنفعل ما نريد..؟
لااتمنى ان يحدث ذلك ، فما تضمنه التقرير حسب الملامح الاولية التي ذكرها الوزير يمكن ان يساعدنا في تجاوز ما حدث ، ويضع اقدامنا على الدرجة الاولى في سلم اصلاح التعليم ، بمنطق الوضوح والتشاركية هذه المرة ، وليس بمنطق الانفرادية والصدمة ، وما افرزه من هواجس وشكوك وانتقادات مختلفة.
بعد ما جرى لا بد ان نصارح انفسنا ونقول : ان الثمن الذي ندفعه نتيجة خطأ مسؤول – اي مسؤول – لا يتعلق فقط بحسابات اللحظة الراهنة , وانما يتعلق بحسابات المستقبل الذي نحاول ان نتجنب مفاجآته .هذه الخلاصة يجب ان نفكر بها عندما نتعاطى مع “ الازمات “ التي تواجهنا , فالبعض يتصور ان اغلاق ملف اي ازمة , بعد ان يهدأ الناس وتنتهي احتجاجاتهم, سيسجل في قائمة انجازاته وحين تسأله عن الثمن , سيقول لك على الفور : خسائر بسيطة ومرت بسلام , لكن الحقيقة غير ذلك تماما .
هنا ارجو ان لا نتصور ان اغلاق ملف “ المناهج “ مثلا بمجرد عودة الطلبة للانتظام في مدارسهم او سكوت المجتمع , قد حسم الجولة لحساب طرف ضد اخر , او انه انهى الازمة واعطى ضوءا اخضر للاستمرار في التعديل على الطريقة ذاتها , هذا قد يكون مجرد “ وهم “ لان الوقائع التي شاهدناها تؤكد ان ما حدث لا يتعلق بمزاج عام اخذته الانطباعات الى ردود فعل انفعالية ومتسرعة , وانما يتعلق بذاكرة وطنية عميقة استفزتها هذه الاجراءات , فتحركت للدفاع عن ثوابتها الوطنية والدينية , دون ان تجد من يرد عليها ويقنعها ان ما حصل لا علاقة له بالاساءة لهذة الثوابت .
قبل تقرير اللجنة الذي لم ينشر للرأي العام حتى الآن ،لم يتحرك احد لاقناع الناس – بالادلة والبراهين – ان التعديلات على المناهج كانت في اطار “ اصلاح “ منظومة التعليم , وانها لم تستهدف شطب النصوص الدينية , لان الحقيقة كانت عكس ذلك , لكن الاغرب من عدم القدرة على التعامل مع هذا الذي حدث “ بالمنطق “ العلمي , هو الذهاب بعيدا لتأديب المعارضين والاساءة اليهم ،مما يضيف الى الفشل فشلا اخر , ويبعث برسائل مفخخة بالشكوك حول اصل القضية , ويؤكد انطباعات اثارت هواجس الناس ايضا .
ما حدث ، اذا , لا يمكن فهمة الا في اطار واحد , وهو اصرار بعض المسؤولين على ان ما يرونه ويعتقدونه هو الاصح , وهو الذي يجب ان يمرر ولو بالفرض والاكراه , فالناس – بنظرهم – على دين مسؤوليهم , وبالتالي فهم من يفكرون بالنيابة عنهم ويقررون دون استشارتهم , واذا ما اعترضوا فان اعتراضهم مجرد اصوات لا وزن لها ولا تأثير .
هذا المنطق “الغريب” يقابله منطق اخر تشكل لدى المجتمع ، وقد اخذ شكلين : اندفاعي وعاطفي يمارسه الجمهور , حيث شهدنا ما حدث على صعيد المدارس وفي وسائل التواصل الاجتماعي , من “ فزعات “ غالبا ما تحولت الى فوضى , اما الشكل الاخر فهو توظيفي , واحيانا انتهازي , ويتعلق بالنخب التي حاولت سحب “ارصدة “ المعارضة الشعبية لحساباتها , دون ان تقدم ردودا علمية او مبادرات حقيقية لمعالجة المشكلة وتجاوزها .
يبقى سؤال واحد : وهو : لماذا فعلنا ذلك، مع انه كان من الممكن ان لا نفعله اصلا , ثم الم يكن من الممكن ان نستدرك اخطاءنا حين اكتشفناها ؟ والان هل ستأخذ الوزارة بتوصيات اللجنة ام لا , الاجابة اتركها لوزارة التربية والتعليم اولا ثم للقارئ الكريم الذي اثق بذكائه .
الدستور