لقد شعرت بالصدمة عندما وقع بصري على تلك الصورة التي نشرتها صحيفة الدستور الأردنية (الاثنين) على صفحتها الأولى، ظهر في الصورة لعبة أطفال غارقة بالدماء، وقد تم التقاطها بعد غارة طيران استهدفت روضة أطفال في «حرستا» السورية، واللعبة عبارة عن سيارة ذات عجلات بلاستيكية صغيرة، ملونة بالأحمر والأصفر، وقد بدت علامات الذهول على اللعبة الحزينة البائسة، التي تحمل بقع دم لأطفال لم تتجاوز أعمارهم ربما الثلاث أو الأربع سنوات، وآثار الدماء تملأ المكان.
منظر اللعبة الباكي الحزين تقشعر له الأبدان، لأنها تمطر المشاهد بظلال قاتمة لهذه الحرب المجنونة، التي طالت واستطالت على امتداد سنوات خمس عجاف أذابت الشحم وأكلت اللحم ودقت العظم، ولم تبق بيتاً ولا حجراً، وحصدت من أرواح الأطفال البريئة، ما يصعب حصرها وعدّها على وجه الدقة.
أي لعنة هذه التي أصابتنا وأصابت ديارنا وأرضنا وإنساننا العربي، وحولتنا إلى رماد تذروه الرياح في يوم عاصف، وقد عصفت بعقولنا وأرواحنا ووجداننا وأصبح القتل وجبة يومية متعددة، وأصبح دم الأطفال أنخاباً لزعماء العرب وقادة الأمة، وقد أقاموا مجدهم على بيادر الجماجم والأشلاء، وما زال هناك من يحمل قوائم عروشهم على رؤوس الاشهاد، ويبرر وينظر ويدافع عن دمويتهم، لا ندري كيف ينام هؤلاء ملء جفونهم، وكيف يتلذذون بطعامهم وشرابهم؟
نحن جميعاً مدعوون للاعتراف بأصل المشكلة، قبل البحث عن آثارها ومظاهرها وتطوراتها، أصل مشكلتنا تتلخص بضياع الإنسان العربي وهدر إنسانيته، فنحن أنظمة وأحزاباً وشعوباً، لم تدرك بعد أننا نعيش الإنسانية المهدورة، فكل من يتكلم عن العقائد والأيدولوجيات، أو الأوطان والوطنيات، أو اليافطات والشعارات الكبيرة الرنانة، عن المقاومة والنضال، أو الممانعة والصمود، وفي الوقت نفسه لا يقيم وزناً للإنسان، ولا للشعوب ولا يعرف معنى الكرامة الآدمية، ولا يعرف قاموس مصطلح الحرية، فسوف تكون العاقبة كما نرى ونشاهد ونلمس ونعيش.
يكذب من يتكلم عن المقاومة قبل أن يبني الإنسان، ويكذب من يتكلم عن الديمقراطية قبل أن يعترف بإنسانية الإنسان، ويكذب من يتكلم عن الدين قبل أن يتكلم عن الحرية وحق الناس في الاختيار، ويكذب من يتكلم عن الصمود والممانعة وهو يحتقر شعبه ويزدري إنسانيتهم ويهدر آدميتهم ولا يعترف بحقهم بالحياة.
يجب أن نرجع إلى أ ،ب، في تلمس أصل المشكلة وعلينا أن نعيد بناء الإنسان، قبل أن تفرقنا العقائد والمذاهب والأيدولوجيات والعنتريات، وعلينا أن نتواضع قليلاً ونخفف من حدة أصواتنا المرتفعة إذا بقينا عاجزين عن الاعتراف بآدمية الآدمي وإنسانية الإنسان.
الدستور