ثورات وانتفاضات الأردن عبر العصور .. (2)
د. محمد المناصير
06-11-2016 11:58 AM
...إمارة بني لام في الأردن
أسست إمارة بني لام على يد الزعيم الأردني للعشائر الأردنية في حينها الأمير حسان بن المفرج وامتدت من جنوب غرب الأردن وصولاً لشمال منطقة حوران الأردنية واستمر نفوذها لمائة عام وضمت تحالفاً بين عدد كبير من العشائر الأردنية، قامت هذه الإمارة بما فيها من تحالفات للعشائر الأردنية وفرسانها بالإضافة لدورها بانتزاع الحكم المحلي بمحاربة غزو الفرنجة للمنطقة، فعلى سبيل المثال فإن أسامة بن المنقذ ومعه 18 شيخاً من قبيلة بني لام قضوا في يوم واحد دفاعاً وصداً لغزو الفرنج وذلك في عام 1070 تقريباً، وهو نهج ثابت لأبناء المنطقة في وقوفهم ضد كافة الأطماع ومحاولات الحكم الاستعماري المتستر والمتاجر باسم الأديان أمسيحية كانت أم إسلامية. إمارة بني لام استفادت من التحالفات التي كانت تقوم بها مع العشائر الأردنية الأخرى من جهة، ومع الفاطميين في القاهرة والمماليك في دمشق من جهة اخرى، وبعد انهيار الإمارة ارتدت بني لام نحو جبال الشراه النبطية وأقاموا فيها. ومن شراه الأنباط أعاد حفيد إمارة بني لام “حسان بن المفرج” التموضع وأسس لاحقاً إمارة أخرى اتخذت من حوران عاصمة لها وعرفت بإمارة آل مرَا واستمرت متقطعة من عام 1300 ولغاية 1550 تقريباً. وما زالت آثار آل مرا في الأردن ماثلة حتى يومنا الحالي حيث شواهد القبور التي تحمل أسماءهم في البادية النبطية بجنوب معان.
الأردنيون يتمسكون باستقلالهم وارثهم رغم محاولات الحكم الخارجي لهم
كان الأردنيون يلتفون حول زعيم تحالف العشائر الأردنية في وقتها الشيخ سلامة بن فواز الذي تذكره الوثائق خلال الفترة من 1490 ولغاية 1523. وفقا للوثائق فقد كان لتحالف سلامة بن فواز ثلاثة عشر ألف قوس (كناية عن عدد المحاربين تحت إمرته )، من بني لام وبني تميم والعمرو وبني عطية وعباد والعدوان وبني حميدة وغيرهم من بقية العشائر الأردنية، وكانت سيطرتهم تمتد من حوران وحتى جنوب البادية النبطية شرق البحر الأحمر لتصل لمشارف تبوك.
وفي السرد التاريخي لقوة هذه الإمارة و اتساعها يذكر بعض المؤرخين عبارة تقول : “لقد دوّخ بني لام دولة الشركس” والمقصود بهذه المصادر هي دولة المماليك الذين تفاوضوا مع سلامة الفواز واتفقوا أن يدفعوا لتحالف العشائر الأردنية بقيادته ما مجموعه ألف دينار ذهبي مقابل البقاء في مناطق سيطرته وعدم التعرض لقوات المماليك أثناء مرورها من المناطق المجاورة له، حيث بني في عهده قلعة الجغيمان سنة 1495، وهي نفسها قلعة المدورة القديمة، التي تبعد عن المدورة الحالية نحو 4-5 كم وهي مهملة الآن للأسف ولكن لهذه المعلومة مدلول تاريخي حيث لا يعقل لشخص أن يبني قلعة وتسمى باسمه ما لم يكن لديه سلطة سياسية وقوة ومال، وتشير الوثائق إلى أن هذه القلعة كانت أحد المراكز الرئيسية لإدارة طريق الحج والتجارة الذي رعته العشائر الأردنية لآلاف السنين، حيث تشير الوثائق العثمانية بالنص الصريح مبدوءة بـ “إلى جغيمان” ، وقد ذكرها ابن بطوطة في رحلته حيث تعرض للمنطقة والسكان الموجودين فيها.
وخلال تلك الفترة شهدت المنطقة نوعا من الاستقرار النسبي في العلاقات ما بين تحالف العشائر الأردنية والسلطة الحاكمة ممثلة بالمماليك، وذلك من خلال الاتفاقات على حماية خطوط الحج التي تمر بمناطق سيطرة تحالف العشائر الأردنية وترأس نعمان بن سلامة بن فواز الحج الشامي عام 1502.
نجحت الثورة الأردنية بقيادة زعيم العشائر الأردنية مبارك العقبي كما أسلفنا بالوصول لانعدام السلطة الخارجية بين عامي 1502-1505م، وبالتفاصيل فان الثورة وصلت لمحاصرة الحاكم المعين بدون توافق الأردنيين في قلعة الكرك وتكللت بالوصول لاتفاق بحيث يستسلم ويخرج آمناً الى مصر المملوكية. عيَن جان بردي الغزالي حاكماً للأردن من الكرك عام 1509م فلم يرضوا به وثارت عليه العشائر الأردنية فطرد منها وعاشت الأردن مرحلة ” لا حكم ” أخرى وتم تعيينه لحكم فلسطين من صفد.
قاد قايتباي الخصاكي جيشا ضخما من دمشق بعام 1512 لإعادة السيطرة على الأردن بعد طرد جان بردي من أراضيها ولكنه فشل وعادت غزوتين لاحقات حتى غلب عدد العسكر كافة المطالب الاستقلالية للأردنيين بعام 1513. خان جان بردي الغزالي المماليك وتحالف مع السلطان سليم العثماني وانضم لخيانته خاير بك، والذين وعدا بالحكم مقابل تحييد القوات التي يأمرون عليها فسقطت سوريا بيد العثمانيين بسهولة في مرج دابق. مرج “دابق” كانت موقع المعركة التي سقطت فيها سوريا بيد الأتراك العثمانيين بعام 1517م وعلى اثرها انتقل صراع الأردنيين مع الحكم الخارجي من مصر المملوكية الى استنبول العثمانية، ومما يستوجب ذكره و الالتفات له بنظر ثاقب و لمرات متعددة أن اسم المعركة “مرج دابق” هو نفس الإسم الذي يستخدمه تنظيم الدولة الإرهابية في العراق والشام في أدواته الإعلامية المتشابهة.
وثار الأمير الغزاوي زعيم منطقة لواء عجلون الذي شكل عام 1517م الأمير البدوي محمد سعيد الغزاوي الذي قاوم السيطرة العثمانية على البلاد وتمرد عليها ، وقد تمكنت الدولة من إحباط تمرد الغزاوي إلا أنها أبقت على حكم عائلة الغزاوي في منطقة عجلون .
تم تعيين جان بردي الغزالي والياً على الشام والأردن كمكافأة لخيانته للمماليك، جان بردي الغزالي ذاته الذي طرده الأردنيين سابقاً والذي خان المماليك، كان أول والي يعيَن لحكم منطقة شاسعة تضم الأردن بعام 1517م من دمشق، واستمر نضال الأردنيين ضد الحكم الخارجي فكل ما تغير هو انتقال القطب الآخر وعاصمة الخصم من مصر المملوكية إلى استنبول العثمانية؛ فلم يعترف الأردنيون بولايته خاصة أنهم قد طردوه قبلها، وقد اصطدم والي دمشق الغزالي بالعشائر الأردنية التي لم تعترف بولايته نتيجة ما كان له معها من تاريخ أسود وطردهم له قبل ذلك في عام 1509. لم ينسَ الغزالي ما فعله الأردنيون به في عهد المماليك فحاول التنكيل بهم والتضييق عليهم بشتى السبل، فلجأت العشائر الأردنية لاستخدام ورقة سياسية ذكية رداً على سياسة الغزالي القمعية، فعمدت العشائر لإيقاف الحماية التي كانت توفرها على طريق الحج وذلك كوسيلة للاحتجاج السلمي والضغط على سلطات الحكم الخارجي لإرغامها على التفاوض معها والاستجابة لمطالب أهل المنطقة التي كانت تعاني من التهميش المتعمد جراء رفض أهلها الخنوع والخضوع للسلطة الخارجية، ونظراً لما له من باع طويل في الخيانة فقد انقلب جان بردي الغزالي من جديد ولكن هذه المرة ضد العثمانيين أنفسهم، حيث ارتدت بضاعة الخيانة على العثمانيين وأعلن جان بردي الغزالي الاستقلال عن العثمانيين عام 1518م فنزلت عليه كافة الجيوش العثمانية للإطاحة والتنكيل والبطش به، حيث تم تعيين إياس باشا خليفة له وواليا على الشام مكانه بعد أن قتل جان بردي (تعددت الروايات عن تاريخ وطريقة قتله هل كانت من قبل الشعوب المقاومة له وللأتراك العثمانيين أم باغتيال سياسي، أو كلاهما). أول قرار أخذه اياس باشا هو قمع ثورة كانت في نابلس فاتخذها ككبش فداء ليظهر بأسه فشرد الكثير من أهلها وهدّ بيوتهم، قبل أن تتحد معها مناطق فلسطينية أخرى وتدحره خائباً. ثم وصل اللجون فذبح أربعة من أبناء آل طرباي حكام اللواء وأرسل رؤوسهم إلى السلطان سليم في بادرة لإظهار الولاء للحاكم العثماني. وفي خطوة هوجاء تهدف بالمنظور قصير المدى إلى تجفيف المصادر الاقتصادية المتأتية للأردنيين من أسواقهم على طريق الحجاج المسلمين والمسيحيين والمعروف بالطريق الملوكي، قام إياس باشا وبتوجيه من السلطان العثماني سليم الأول (أو ما بات يعرف لاحقاً بسليم المتآمر) عام 1519م بنقل الطريق شرقاً ونصب المخافر عليه بعيداً عن التجمعات السكانية المعادية لوجوده والمستخدمة لأداة ” ايقاف الطريق ” كأحد أدوات الضغط نحو الاستقلال، ثم قام بفرض ضريبة على ما يعرف ببازارات الحجاج، فتسبب القراران بانهيار المنظومة الاقتصادية للتجار الأردنيين والتي نجت لآلاف السنين حتى بعهد الرومان والفرس والفراعنة ولكنها لم تنجُ من العبث السياسي بحقبة العثمانيين. أما سياسياً فقد عمد الأردنيون على انشاء تحالفات عشائرية بإمارات تنتزع الحكم المحلي لهم وتراعي احتياجتهم.
بدى واضحاً أن الأردنيين بزعامة الجغيمان لن يقبلوا باستبدال حكم خارجي من مصر بآخر من دمشق فدأب السلطان على بعث قوة تلو أخرى لاخضاع الأردن لحكمه من مركز خارجي لكنها باءت بالفشل الذريع حيث أنهم لم يجدوا أمثال جان بردي الغزالي ليخون ويسلمهم الأرض لقاء منصب ومال كما حصل في مرج دابق.
وبعد مناوشات جسيمة بين جيش العثمانيين والقوات المقاتلة الأردنية في الفدين (المفرق) لجأ العثمانيون لحيلهم القبيحة حيث تسلل ليلاً بضعة أفراد من قواتهم لخطف أبناء الجغيمان شيخ الفواز وزعيم تحالف العشائر الأردنية بوقتها، وإرسالهم للسلطان سليمان “القانوني” حيث عرف حينها بسليمان “الرهائن”، ليتم بعدها مفاوضة الأردنيين على تسليم الرهائن وتولية حكام من الأردنيين مقابل السلم وانهاء الثورة عام 1519، وبعد هذه المفاوضات تم تولية الغزاوي لكن العثماني استمر برفع الضرائب في تصاعد كبير حيث توزعت ما بين ضريبة دخل تبدأ من 25% وأخرى على مبيعات الحجاج ومثلها على الأنعام من الإبل والمواشي ، وكذلك على المحاصيل الزراعية، فأتت ثورة الغزاوية بشكل طبيعي عام .
وقد اتبعت الدولة سنجق عجلون مباشرة لاستانبول منذ عام 1591م . في العام الذي استبدلت فيه السناجق بالايالات فكانت شرقي الأردن تتبع لايالة شام شريف ، وفي القرن السابع عشر تنازع عجلون والكرك الأمير فخر الدين المعني واحمد باشا الحافظ والي الشام ، واثنين من آل الغزاوي هما الأخوين حمدان بن قانصوه الغزاوي وشقيقه بشير الغزاوي ، فعينت الحكومة العثمانية الأمير البدوي فروخ بن عبد الله عليها .
وسيطرت القبائل البدوية على شرقي الأردن في القرن التاسع عشر ، وأصبحت شرقي الأردن مرتعا للقبائل البدوية من نجد والحجاز وبادية الشام والعراق وصحراء سيناء . كقبيلة بني صخر ، وعباد والسرحان والعجيلي والسردية . فكثيرا ما قدمت عشائر عنزة وشمر من العراق ، والشرارات من الحجاز ، وكانت عنزة تؤجر جمالها للحجاج من سورية والأردن . واستقرت بعض العشائر في منطقة البلقاء مثل قبيلة عباد التي كانت في حرب دائمة مع بني صخر حتى منتصف القرن التاسع عشر ثم أصبحت في حرب دائمة مع العدوان وأهل السلط وعشائر البلقاوية عامة . كما استقرت عشيرة العدوان التي دخلت في صراع مع بني صخر وحلفائهم عباد ، ودخلت العدوان في صراع مع الرولة من عنزة ، ومع عشيرة الغنيمات في مادبا ، كما استقرت عشائر العمرو والحمايدة والترابين حول الكرك ، وكانت قبائل بني حميدة والحجايا والسليط والحويطات تحيط بالطفيلة . إذ كان نفوذ الحويطات يمتد من الكرك حتى المويلح في الحجاز . وكانت الحويطات تأخذ إتاوة من محمل الحج الشامي والمصري ، وتقوم بتأجير إبلها إلى الحجاج المصريين ، أما الاحيوات والعلاويين والعمران في استقروا في العقبة ووادي عربة . وكانت هذه القبائل خاصة بني صخر تأخذ الخاوة من قرى جبل عجلون .
وفي العهد العثماني ثارت عجلون على الحكم المصري بقيادة إبراهيم باشا ابن محمد علي باشا والي مصر الذي ثار على الحكم العثماني واخضع فلسطين والأردن والشام عام 1839 وقد تزعم الثورة ضد الحكم المصري محمود الرفاعي . كما ثارت القبائل البدوية في شرقي الأردن كعرب الغزاوية وعرب الصقر على السلطة المصرية التي عينت الشيخ يوسف الشريدة متسلما لعجلون .
ونتيجة لحماية الطوائف المسيحية في شرق الأردن بعد حصول الفتنة الدينية حصل الشيخ راشد الخزاعي على وشاح القبر المقدس من قداسة البابا في عام 1887م و هو الشخص الوحيد الذي حصل عليه في الوطن العربي....
وفي عام 1887م تمردت قبيلة بني حميدة في منطقة لب على الدولة العثمانية ورفضت دفع الضرائب وتصدت لهم قوة من الأتراك تقدر بمائتي جندي ...بموقعة سميت صباح الهروط بعد أن نهب الأتراك المحاصيل والمواشي ..وقد قتل عديدون من الطرفين في المعركة ..ثم جمع الأتراك قوة كبيرة مدججة بالسلاح التقى الطرفين في منطقة الذهيبة والثمد وتمكن الحمايدة من صد القوة التركية وإشعال النيران من حولهم في المحاصيل فحاصرتهم النيران وقتل من قتل وقليلون تمكنوا من الهرب وبعدها سميت بني حميدة ( ذباحة الدول) ...
وفي عام 1889 ثارت بنو حميدة على الدولة العثمانية نتيجة رفع الضرائب والإمعان في سلب المحصولات والأغنام من العشائر الأردنية وركزت على بني حميدة التي فقد الكثير من محصولاتها نتيجة قيام قوة تركية كبيرة بأخذ المحصولات بالقوة ..فتحالفت يني حميدة مع العديد من العشائر الأردنية للتصدي للحملات التركية التي جهزها فوزي باشا والي سورية وقادها بنفسه فكانت وقعة كبيرة بين بني حميدة والقبائل الأردنية المتحالفة معها ..وقد فشلت الحملة في تحقيق هدفها ..
وفي أوائل القرن العشرين عاش الأردن حالة من النهوض الوطني في الشوبك والكرك في العهد العثماني احتجاجا على التعسف في جمع الأموال الويركو والتجنيد الإجباري حيث خرجوا عن صمتهم وحملوا راية العصيان التي بدأت في الشوبك 1905 نتيجة تسخير نساء الشوبك من قبل المسؤولين الأتراك لنقل الماء ، فلما ثاروا أرسلت لهم الحكومة العثمانية حملة عسكرية عرفت "حملة تأديب الشوبك " اشتبكت مع أهالي الشوبك ..
وثارت الكرك بعد خمس سنوات ففي 21 تشرين الثاني عام 1910 ثارت الكرك بعد شهر واحد من ثورة زعماء الدروز في جبل العرب بقيادة سلطان الأطرش فدفعت الكرك 500 قتيل إمام قوات سامي باشا الفاروقي الذي أرسل قائد الحملة صلاح الدين بيك وبعد سنتين من الثورة قتلت الحكومة التركية الشيخ قدر المجالي بالسم .
وفي عام 1914 اندلعت الحرب العالمية الأولى بين الحلفاء ودول المحور ، وأعلن سياسة " سفر برلك " النفير العام . ورافقها سياسة جمال باشا السفاح في سورية الذي علق أحرار العرب على أعواد المشانق في دمشق وبيروت عام 1915م .
وشارك الأردنيون في جيش الثورة العربية الكبرى فقد تحرك جيش الثورة العربية الكبرى بقيادة أنجال الشريف الحسين بن علي ؛ فيصل وعبد الله وزيد ، فوصل الجيش الشمالي بقيادة فيصل بن الحسين بلدة الوجه على شاطئ البحر الأحمر في 23 كانون الثاني 1917 ، ومن الوجه اتصل الأمير فيصل بزعماء القبائل الأردنية التي تسيطر على البادية الجنوبية الشرقية ، خاصة قبائل الحويطات وبني عطية وبني صخر والرولة والشرارات وبلي وغيرها ، وكان من بين زعماء القبائل الذين توجهوا للقاء فيصل بعد أن أرسل يدعوهم الشيخ عوده أبو تايه الذي تعهد أمام الأمير بالانخراط في صفوف الثورة .
وقد ثار الشعب الأردني بعد أن صدر وعد بلفور بإعطاء اليهود وطنا في فلسطين واحتج الأردنيون على اتفاقية سايكس بيكو لتقسيم بلاد المشرق العربي ، وكان أول احتجاج من قبل الشيخ نواف الفايز زعيم بني صخر ، حيث قدم احتجاجا باسم ثلاثين ألفا من بني صخر قدمه إلى ضابط الارتباط الانجليزي في السلط ، طالبا استقلال البلاد العربية . وتقدمت عشائر الطفيلة باحتجاج مماثل باسم خمسة آلاف شخص ثاروا معترضين على تجزئة سورية ...
وقدم أهالي الأردن احتجاجا إلى الجنرال (بولز) المدير العام للأراضي التركية المحتلة بسبب فصل فلسطين عن سورية ، وقع الاحتجاج الشيوخ عوده أبو تايه وحمد بن جازي من الحويطات وغيث بن هذيا من الحجايا وحسين الطراونة من عشائر الكرك وسالم أبو دميك من بني عطية وسليمان بن طريف وحمد بن حاتم من بني حميدة وسالم النسعة وحامد الشراري من معان.
وثار الأردنيون في شرقي الأردن عام 1920 نتيجة لسيطرة اليهود على أراض من شمالي فلسطين واجتمعوا في بلدة (قم) بزعامة الشيخ ناجي العزام وتقرر الثورة والهياج على اليهود والانجليز ومهاجمتهم في سمخ وبيسان ، بما عرف بيوم سمخ في 1920 بقيادة الشيخ كايد المفلح العبيدات ، واضطر العدو لمهاجمة الثوار بالطائرات فاستشهد عشرة من بينهم الشيخ كايد المفلح زعيم ناحية الكفارات وشيخ مشايخ العبيدات بعد أن تمكنوا من احتلال مرجعيون وهاجموا مستعمرة المطلة وتل حي والحراء وكفر جلعاد .
وفي عام 1920 أيضا ثار الأردنيون من العرب والشركس بقيادة الشيخ سلطان بن عدوان وهاجموا الفرنسيين ، بعد هزيمة الجيش العربي لحكومة الملك فيصل في ميسلون ، وكان مع سلطان بعض القادة العسكريين منهم المقاتل محمد علي العجلوني والقائد مولود مخلص . وتلتها حملة أخرى بقيادة منور الحديد تتكون من أربعمائة خيال من أهل البلقاء ومعه المقاتل محمد علي البديوي فوصلوا إلى غباغب والكسوة ونوى وطفس .
وشهدت شرقي الأردن مظاهرات في مدينة اربد قادها حزب الشعب الأردني الذي تشكل عام 1927م، وقد قاد المظاهرات الشيخ راشد الخزاعي الفريحات زعيم جبل عجلون وشارك في المظاهرات أعداد غفيرة من أنحاء شرقي الأردن للاحتجاج على إعدام الانجليز فؤاد حجازي وعطا الزير ومحمد جمجوم اثر ثورة البراق عام 1930م، كما شارك الخزاعي في المؤتمر الإسلامي في القدس ، فضلا عن مشاركته في مؤتمر بلودان بلبنان حول وحدة بلاد الشام والذي ترأسه رئيس وزراء العراق حينها ناجي السويدي في ذلك الوقت.
هذا وقد دعم الأردنيون الثورة الفلسطينية عام 1936م إبان "ثورة عز الدين القسام" حيث كان الأردنيون يوفرون الحماية المباشرة للثوار الفلسطينيين وزعاماتهم وإمدادهم بالمؤن والسلاح عن طريق مخاضة كريمة على نهر الأردن . كما دعم الأردنيون حركات التحرر العربية وخاصة الثورة السورية حيث استقبل الأردن مئات المناضلين السوريين الذين نزحوا من سورية اعتبارا من 25 تموز (يوليو) عام 1920 وقدموا لهم الدعم كما قدموا الدعم المنقطع النظير للثورة
الليبية ضد الاستعمار الإيطالي.
وفي تموز 1922 لجاء سلطان باشا الأطرش إلى شرقي الأردن ، بعد أن اصطدم مع الفرنسيين في قريته ( القرية) ، بعد أن اعتقل الفرنسيون المجاهد ادهم خنجر في منزله وهو غائب ، وأعدموه في بيروت ، فثار سلطان الأطرش على الفرنسيين ، وغادرها إلى شرقي الأردن . وطالب الفرنسيون بتسليم سلطان وإخراجه من أراضي شرقي الأردن ، إلا أن أهالي شرقي الأردن رفضوا خروجه ، فبقي فيها إلى أن أصدر الفرنسيون عفوا عنه ، وعاد إلى قريته مرفوع الرأس والكرامة .
وبعد تأسيس الإمارة (إمارة الشرق العربي ) في شرقي الأردن حدث عصيان الكورة بزعامة كليب الشريدة ، فقد كان كليب قد رفض وأهل ناحيته الخضوع لحكومة اربد المركزية ، بقيادة علي خلقي الشرايري إبان عهد الحكومات المحلية ، فلم يدرك كليب التطور الذي حدث بعد قدوم الأمير وإقامة حكومة محلية مركزية في عمان ، وطالب أن تنشأ في الكورة مديرية ناحية تتبع إلى عمان مباشرة ، وعم عصيان الكورة المنطقة ، فأرسلت الحكومة المركزية في عمان قوة للسيطرة عليها في 12 أيار 1921، إلا أن الدليل ضلل القوة وأوقعها في كمين محاط بالمقاتلين من قرى زوبيا ورحابا وتبنه وعنبه ودير أبي سعيد وكفرالما وكفركيفيا وزمال وسموع وجنين ومرحبا وغيرها ، وسلبت أسلحة المفرزة وخيولهم ، وبعد مقتل خمسة عشر جنديا واثنين من الآهلين ، اضطر كليب لإطلاق سراح الأسرى أمام تهديد الحكومة ، إلا انه رفض تسليم القائمين بالعصيان . وقررت الحكومة أن تدفع الكورة دية للقتلى وإعادة الأسلاب ، ولما زار الأمير قرية سوف التجأ إليه كليب الشريدة معلنا خضوعه ، فأصدر الأمير عفوا عنه ، وفي العام التالي أرسلت الحكومة قوة فرضت السيطرة التامة على المنطقة وأخضعتها للحكومة.
وفي هذه الأثناء تعرضت مناطق من شرقي الأردن للغزو الوهابي ، بعد استيلائهم على تيماء وخيبر والجوف ، وبعد سقوط إمارة ابن رشيد في حايل ، فقد عرض ابن شعلان على الأمير عبد الله إلحاق الجوف ووادي السرحان بشرقي الأردن ، إلا أن الأخوين (الوهابيين) سيطروا عليهما ، وتقدموا باتجاه شرقي الأردن ، وفي 22 آب 1922 تمكنوا من الوصول إلى منازل بني صخر في الطنيب والمشتى ، فثارت العشائر الأردنية على الغزاة وخاصة بني صخر وعباد ومن معهم وتمكنوا من ردهم ، وأرسلت قوة من عمان بعد أن رفض المعتمد البريطاني إشراك الطائرات والمصفحات في القتال ، وقتل من المهاجمين من قتل ، واسر من اسر ، ومات من العطش والجوع من مات ، ثم عفي الأمير عن الأسرى وعاد نصفهم إلى بلادهم . وفي أيلول 1922 أرسلت حكومة شرقي الأردن قوة مكونة من 250 جنديا لاحتلال قلعة كاف في قريات الملح ، فاحتلت المنطقة لتامين الحدود الشرقية ، وأبقت الحكومة فصيلا عسكريا في القلعة مكون من 50 جندي رابطوا في القلعة إلى خريف 1924 .
وفي هذه الأثناء نشبت حركة العدوان بزعامة الشيخ سلطان العدوان وابنه ماجد الذي كان يعتبر زعيما تقليديا لمنطقة البلقاء ، فقد اعترض على تولي الإدارة في شرقي الأردن لأشخاص من سورية ولبنان والعراق وفلسطين ، إذ كان الشيخ ماجد يؤمن بشعار " الأردن للأردنيين " الذي رفعه مصطفى وهبي التل ، فقام في 1923/9/6 بمهاجمة المخافر الحكومية في ناعور ووادي السير وصويلح وسيطر عليها ، وقد أدى مقتل احد المشاركين في الحركة من قبيلة العجارمة وهو الشيخ صايل الشهوان إلى تفرقهم وفشل الحركة . ولجأ سلطان العدوان وأولاده ماجد ومنصور وعبد الحميد وعلي إلى جبل الدروز ، وبقوا إلى عام 1924 ، حين مجيء الملك الحسين بن على إلى شرقي الأردن. فصدر عفو عام عن الجميع .
وبعد أن انكفأت الثورة الفلسطينية على نفسها ، اثر هروبها من الأغوار بعد معركة الكرامة إلى المدن والقرى الأردنية ، وأقاموا المعسكرات والقواعد وميادين التدريب داخل المدن ، وأعلن الملك الحسين "كلنا فدائيون" ، وانضم العديد من أبناء العشائر للثورة الفلسطينية ، وقد سيطر الفدائيون على مقدرات الأردن وأعلنوا الثورة على الحكم الهاشمي وسيطروا على أجزاء من البلاد وخطفوا الطائرات الأجنبية إلى ما سمي "مطار الثورة " في الصحراء الأردنية وشلت حركة الحكومة الأردنية وعطلت مصالح الدولة .
وفي14 أيلول 1970 أعلن " المجلس الأعلى للاتحادات " عن تنفيذ إضراب عام وشامل لكافة مستخدمي الدولة والعمال والقطاع الخاص في الأردن في 19 أيلول 1970، على شكل عصيان مدني باشتراك 11 اتحاد ونقابة ، بحيث تتوقف الحركة في أنحاء البلاد ، كما أعلن الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين عن بدء إضراب لجميع أعضاء الهيئة التدريسية ، وقد نفذ الإضراب فعلا في اربد ، وأعلن ياسر عرفات اربد منطقة محررة ، مما جعل الجيش الأردني يتمرد على الأوامر ويترك مواقعه على الحدود لإعادة السيطرة على المدن الأردنية وخاصة العاصمة عمان وقد حاول الملك الحسين إعادة القوات إلى معسكراتها إلا أنها رفضت قبل أن تخضع مدينة عمان ، وبعد عدة إنذارات قرر الملك الحسين إخراج الفدائيين بالقوة ، مما حدا بسورية تغزو الأردن وتحتل أجزاء من شمالي الأردن ، وأصبح الجيش الأردني يحارب على جبهتين فيما كانت القوات العراقية المرابطة بالأردن تهدد بالتدخل لصالح الفدائيين ، إلا أن سلاح الجو الأردني وقوات الدروع التي قدمت من الأغوار تمكنت من إخراج الجيش السوري وتمكن الجيش الأردني من إخراج الفدائيين نهائيا من الأردن وإعادة السيطرة على البلاد للسلطة الشرعية .
ولم تعكر صفو الأردن اي ثورة أو انتفاضة شعبية بعد هذه الاحداث ، إلى احداث الخمسينات وحركة الضباط الاحرار العسكرية الذين لم يفلحوا .
للحديث بقية ..