عندما صرخت زرقاء اليمامة محذرة قومها من خطر يداهمهم، وقالت أن الأشجار قادمة، ضحكوا عليها وإستغربوا كيف تسير الأشجار، وسخروا منها متندرين عليها، ومسخفين لقولها، لكنهم فوجئوا لاحقا بأن السيوف فوق رقابهم، وهذا هو حال العرب هذه الأيام.
منذ نحو خمسين عاما، ونحن نصرخ في هذه الأمة مترامية الأطراف ومستباحتها، بأن اليهود قادمون بتلمود بابل، وأنهم سيسوموننا سوء العذاب والإذلال، لم يسمعنا أحد، وإن سمع فلا يصدق، وقالوا :"أمجاد يا عرب امجاد"، وغنوا "ويلك يللي تعادينا يا ويلك ويل .... شوف النار تلاقينا بظلام اللييييييييل، حنا للسيف للسيف .. صح يارجال؟" وهم في حقيقة أمرهم، تجرهم مستدمرة إسرائيل من هزيمة إلى هزيمة منكرة أخرى، إلى أن ضاعت كل فلسطين وأراض عربية اخرى.
لم تنفعهم أغاني التخدير هذه، لأن صوت مغنيها فهد بلان لم يقم سوى بتلويث الأثير فقط، وقادتهم ممارساتهم إلى الإستسلام ليهود بحر الخزر المتصهينين، الذين لن يقبلوا بسيادة أي عقيدة غير عقيدتهم، ويريدون جاهدين إبطال كلام الله جل في علاه بأنه غضب عليهم، ولذلك قاموا بخلق المسيحية الصهيوينة لتهويد المسيحيين والمسيحية في الغرب، وإدخالهم في المنظومة الصهيونية وهذا ما حصل، كما انهم خلقوا لنا الإسلام السياسي، وجاؤوا لنا بداعش لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، وقد نجحوا مع شديد الأسف، وهام يحضرون أنفسهم للإنطلاق مجددا، ولكن بدولة يهودية خالصة، بعد شطبنا من على الخارطة وتحويلنا إلى ركام بشري.
سيطروا على فلسطين والقدس، وها هم يضعون أيديهم على القدس القديمة ومساحتها 400 متر، ومن يسيطر على هذه المساحة إمتلك القرار العالمي، ونحن لم نعد نملك شيئا من إرادتنا، وسقنا شعوبنا إلى المقاصل، وها بشار يدعو روسيا لذبح " شعبه"، وتدمير "بلده"، والآخرون ليسوا بأقل منه سوءا، فهناك حاجة ملحة لعلماء الأنساب كي يفتحوا هذا الملف لنعرف من لنا ومن ليس منا.
سلمنا أمرنا لعدونا، وانشغلنا ببعضنا، وفرزنا أنفسنا دولا تقدمية ثورية وأخرى رجعية، ودارت بين الجانبين حرب ضروس، وتبين أن سوء سوسة الدول التقدمية والشبهات التي تدور حولها وتغرقها باليقين، لا تقل عن سوء سوسة الدول الرجعية، كما أننا تحالفنا مع روسيا وامريكا، وكنا نحن الأدنى في سلّم التحالف لأننا ضعفاء ولم نفرض أنفسنا ولا ماذا نريد على خارطة التحالف، وهذا ما جعل موسكو "حليفة الدول الثورجية"، وأمريكا حليفة الدول الرجعية، يعرضاننا في سوق النخاسة، ويتمسكان بمستدمرة إسرائيل الخزرية، حليفا قويا مع انها تستغلهما وتبتزهما ووظفتهما لصالحها وهما القوتان الأعظم.
جنحنا للسلم وليتنا تمسكنا بحقوقنا، ووقعنا المعاهدات والإتفاقيات، ولم نقرأ ما نوقع عليه، وطلبنا بنشر كافة الوثائق على الرأي العام، لكننا قدمنا الأرض والمياه والقدس والقدس وكنيسة القيامة والسيادة عربونا للسلام الذي لن يتحقق، وباتت سجوننا ملآى بالمناضلين ومناهجنا خاوية من كل فكر، وحياتنا تشكو من فقدان الكرامة وانعدام السيادة، لأن المطلوب تحقيقه هو استسلامنا وهذا ما حصل.
رغم ذلك طبّعنا مع العدو ومنحناه مياهنا وإشترينا المياه منه وأهملنا أراضينا وإستوردنا ما نأكله منه، دون ان نعلم أن هناك "آية" في تلمود بابل تقول:"أرسل لجارك الأمراض"، وضحكوا علينا وقالوا في البداية :" الأرض مقابل السلام فوافقنا وهرولنا زاحفين على بطوننا إلى مدريد وعدنا بخفي حنين، وقالوا إن المستعمرات مقابل السلام ولم نعترض، وقالوا بعد ذلك ان المياه مقابل السلام وسلمنا بالأمر، وقالوا ان النفط والغاز مقابل السلام ولم نبد أي مقاومة، وقالوا ان السيادة والكرامة مقابل السلام فلعقنا أحذيتهم ولم نحصل على هذا السلام، وهاهم يقولون ان يهودية الدولة مقابل السلام، ونحن موافقون.
ورغم كل ما فعلناه من جرائم بحق انفسنا، وكثرة الأختام العربية على صك بيع فلسطين لليهود، الذي وثق عام 1916، وتسلمه مؤسس الصهيو نية د.ثيودور هيرتزيل بيده إرضاء لبريطانيا العظمى آنذاك، ورغبة بعدم الخروج عن طوعها، ركلتنا بريطانيا وأمريكا من بعدها، وها هي أمريكا تعانق إيران مؤقتا، وتلفظنا بالثلاث بقانون " الجاستا " الذي سيلحق الضرر البالغ بالسعودية التي كانت يوما ضمن المنظومة الأمريكية.