لا نوافق من يذهب الى ان الكائنات الدنيا هي مسوّدات الخلق الذي يمكن منها تبيّن حكمة الخالق تماماً كما يمكن تبيّنها في النسخ المكتملة المنقحة. ذلك أن في ذلك تسليماً بمبدأ تطور الانواع الذي لم يثبت علمياً. فضلاً عما فيه من لون غفلة عن حكمة الله سبحانه الذي قدّر ان تكون المخلوقات جميعاً على اختلاف اشكالها وأحجامها وكيفياتها «أمماً» امثالنا. أي أنها جميعاً نسخ منقّحة, صنع الله ومن أحسن من الله صنعاً لقوم يعقلون.
وليس يزحزحنا عن مثل هذه الاستقلالية في النظر الى هذه الدعوى والى غيرها أن يكون المنادي بها ممن نحب أو ممن نعترف بعبقريته وسبقه. إذ الرجال يعرفون بالحق ولا يُعرف الحق بالرجال.
* * *
نوافق من يذهب الى أن بين علم السياسة وعلم الحشرات تشاكلاً في الموضوع. ونذهب وراء ذلك الى ان ثمة تشاكلاً في منهج التعامل معه كذلك.
ولا يتعلق الامر هنا بالمواضعات التي استقرّت عليها السياسات والدبلوماسيات واساليب التعامل الذرائعي مع الازمات, قدر تعلقها بالاسباب المتداخلة المتكثّرة التي قد تفجأً السياسيين فتكون في أعينهم كالهمج الهامج, وتضرب على بصائرهم بالاسداد.
* * *
لا نوافق من يرى أن توافر المنابر دليل على استفاضة الوعي. ونرى أن تعدد الصحف والفضائيات ومحطات الاذاعة غير مشفوع بأي تمايز نوعي بينها, وأن معظمها نسخ متكررة يصدق فيها قول حكيم المعرة:
تثاءب عمرو اذ تثاءب خالد
بعدوى فما اعدتني الثوباء
* * *
نوافق من يرى ان امناء الثقافة الحقيقيين ووزراءها الثابتين الذين لا يأتون بقرار ولا يذهبون بقرار هم مفكرو الامة وادباؤها الكبار. وأن على هؤلاء تقوم النهضة المرجوّة لا على الخشب المسنّدة او لوازم الديكورات.
* * *
لا نوافق من يرى أن عصرنا الحديث قد عرف في مشرقنا العربي الاسلامي ذلك النوع من الوزارة المسمّاة بوزارة التفويض. ونذهب فوق ذلك الى انه لم يعرف حكومة تفويض ايضاً. وأن المسألة تتجاوز كونها مسألة كفايات الى أن تكون مسألة أحوال مضطربة والتباسات, وأن ذلك كله متجذّر الاصول في طبائع الاستبداد.
* * *
اخيراً لا بد من الاعتراف أن ثمة اموراً قد تلجؤنا الى ان نكون, في موقفنا, بين بين, او في منزلة بين منزلتين, وتلك هي الامور التي لا نعرف مصادرها ومواردها, والتي لا يصل العقل والضمير فيها الى قرار, وكم يكتنفنا الكثير منها, وكم نتوقّع منها الكثير.
عن الرأي