تداعيات وعد بلفور المرعبة
د.رحيل الغرايبة
04-11-2016 01:39 AM
كلنا يدرك أن وعد بلفور استعماري، ينتمي إلى حقبة بشرية سوداء، ويمثل لطخة عار مشؤومة، وتدعو إلى الخجل والشعور بالذنب من قبل دول وأنظمة أوروبية معتدية مارست أبشع أنواع الإذلال بحق شعوب المنطقة، ومارست منطق السرقة واللصوصية تجاه مقدرات العرب، ولم يتم التوقف عند هذا الحد، بل عمدت بعضها إلى إصدار «وعد» بمصادرة أرض فلسطين من أهلها وأصحابها، لتسمح لبعض اليهود بإقامة وطن قومي لهم بها برعاية استعمارية، وغشاء شرعي مصطنع عبر المؤسسات الدولية التي تم إنشاؤها بإرادة الدولة المستعمرة نفسها.
وعد بلفور الذي صدر عام 1917، يمثل مناسبة للفلسطينيين أولاً، ولكل والعرب والمسلمين، بمختلف تكويناتهم واتجاهاتهم السياسية للاستنفار من أجل إعادة تذكير أنفسهم، وتذكير العالم، بهذه الممارسة الاستعمارية الظالمة والقائمة على الاستهتار بإرادة الشعوب والامعان في استغلال ضعفها، والاستعانة ببعض أبناء جلدتها من أجل تمرير هذه المؤامرة التاريخية، وينبغي أن تكون هذه المناسبة محطة من محطات الوعي وعاملاً من عوامل اليقظة من أجل القيام بكل الخطوات الاجرائية اللازمة على صعيد استعادة الحق المسلوب، ووضع حد لهذا الاستغفال الأبدي، ولا بد من المطالبة العلنية بالاعتراف بهذه الجريمة الطويلة الأمد، ومن ثم الاعتذار والشروع بتصحيح الخطأ، والتعويض عن كل الأضرار الناجمة عن هذه الممارسة العدوانية.
من المؤكد أن مثل هذه المطالبات سوف يتم مواجهتها بالاستخفاف والإهمال في ظل الاختلال الكبير في موازين القوى، ولكن ينبغي العمل على مواصلة إعلان المظلومية، وتبصير العالم بهذه المظلمة الدولية الصارخة التي أدت إلى تشريد شعوب وإلحاق الاجحاف بأجيال متعاقبة، ولا بد من توريث الحقائق لابنائنا وأجيالنا المتتالية دون كلل أو ملل، وينبغي عدم الاستسلام لمنطق تزييف الحقائق حتى لو كان مدعوماً بالقوة الغاشمة.
أما الأمر الأكثر أهمية من كل ما سبق ذلك الذي يتعلق بالمؤامرة الخبيثة التي يديرها مجموعات ونخب إعلامية يتم إدارتها بتخطيط واضح، ويقوم عليها مؤسسات إعلامية وصحف، وكتاب كثر، كلهم يعمل على تخريب الذاكرة الجمعية لشعوبنا العربية، والانخراط في عملية غسيل الأدمغة للأجيال القادمة من خلال عملية التكيف البطيئة والمتدرجة مع مخرجات وعد بلفور، ومن خلال الخضوع المعلن لمنطق شرعية الاحتلال والتكيف مع آثاره نفسياً وعقلياً ووجدانياً، ويظهر ذلك بكل وضوح في تحويل أنظار المنكوبين والمشردين واللاجئين والنازحين والمتضررين من الاحتلال عن العدو المحتل، وعدم التعرض مطلقاً لما قام به، والذهاب بهم بعيداً عن مجالات جديدة من النضال بعيداً عن الاحتلال، وبعيداً عن كل الدوائر النضالية المتعلقة بالمطالبة بحقوقهم المسلوبة، وإشغالهم بحقوق وقضايا إنسانية ومعيشية وأحياناً سياسية لدى دوائر أخرى مختلفة تماماً.
كانت الحركات النضالية سابقاً ترفع شعارات المرور من عمان أو دمشق أو صنعاء أو عبر الدردنيل، وتم رفع السلاح من أجل هذه الغاية، ولكننا اليوم نشهد التحول النضالي المسلح إلى نضال سلمي مغلف بالشرعية الدولية وشرعة حقوق الإنسان، وشرائع أخرى كثيرة مشابهة.
يأتي وعد بلفور ليعيد تذكير المتغافلين والساعين للإصابة بداء النسيان المتعمد، ولكن تعمد النسيان وتكلف الغفلة لن يفلح في التغطية على الحقائق المرّة التي تصل حد الفاجعة.
الدستور