يشعر المرء بتأنيب ضمير أن يترك مجزرة وحشية تمر وهو يعلق على موضوع اخر. فكل واحدة من هذه المذابح المروعة لو حدثت في بلد اخر تكفي لينشغل بها الإعلام، ويؤرخ لها في تاريخ البلد، لكن في العراق لا يدوم الامر اكثر من نهار واحد، فهنالك مذابح جديدة وارقام اخرى لليوم التالي.اين حدث مثل هذا؟ والى متى يستمر هذا الكابوس؟
المسؤولون عن التفجيرات الاكثر دموية، وعن الاغتيالات بدم بارد لعشرات المدنيين، ليس لهم عنوان. وقد طال الامر أكثر مما يجب، ولأكثر مما يحتمل، ولدينا عنوانان فقط: الحكومة والاحتلال الاميركي.
في ظل الاحتلال الاميركي والحكومة القائمة تستمر المذابح المروعة، وقد فشل اخر سهم في جعبتهما وهو الخطة الامنية، فماذا بعد؟
لم تؤمّن الخطة الامنية بغداد، والتراجع الطفيف في عدد التفجيرات والاغتيالات داخل بعض الاحياء تم تعويضه خارج بغداد، بل وتوسيع الرقعة بصورة خطيرة! مناطق مؤهلة لتفاقم الصراع الاهلي مثل كركوك، ناهيك عن محيط بغداد. ومن الواضح ان الحضور المكثف للقوات الاميركية لم يشكل حلا حقيقيا، وليس بالاستخلاص المتعجل القول ان الخطة الامنية قد فشلت.
ليس هنالك استخلاص اخر سوى ان حكومة المالكي قد استهلكت فرصتها، ويجب ان لا يحدث تغيير حكومي فحسب، بل تغيير جوهري على الحكم. فخريطة الاحزاب القائمة ليست مؤهلة لاخراج العراق من الاتون الراهن، والمعالجة تذهب ابعد من اعادة خلط التحالفات البرلمانية. وليس هذا فقط، فمرجعية قوات الاحتلال في القرار السياسي يجب ان تنتقل الى جهة اكثر موثوقية. فكل ما حصل حتى الان وقع تحت مسؤولية اميركية مباشرة، وإنّ عارا لا يمحى لحق بأميركا على ما حدث لهذا البلد الضحية واهله المنكوبين، وقد حان الوقت لتسليم مرجعية القرار لإطار عربي ودولي ملائم، مثل الجامعة العربية والأمم المتحدة، لرسم خريطة طريق للحل.
الولايات المتحدة ملزمة اخلاقيا، بعد الكارثة المرعبة التي اجترحتها بتسليم القرار للغير، فالحضور الاميركي لا يعد الا بما نراه الان. فيوما بعد يوم، واسبوعا بعد اسبوع، وشهرا بعد شهر، وعلى مدار 4 سنوات، لم يحدث شيء سوى المزيد من التمزق والمذابح والانقسام، فهل يعقل قبول التمديد لسلطة القرار الاميركي في العراق؟!
فشل الخطة الامنية يعني فشل الحكومة العراقية وفشل الادارة الاميركية، وضرورة ان تجد خطة بديلة بإدارة بديلة طريقها للتنفيذ. وهذا يعني عملية سياسية جديدة، مرتبطة بجدول زمني لانتهاء الاحتلال.
jamil.nimri@alghad.jo