طموحات الربيع العربي .. من وحي الثورة العربية الكبرى
أ.د. عصام سليمان الموسى
02-11-2016 11:15 AM
انتفضت الشعوب العربية في «الربيع العربي» - بدءا من تونس نهاية عام 2010 - لسبب رئيس هو شعور هذه الشعوب بالظلم والغبن والتخلف والانكسار، وهي ذات المشاعر التي دفعت للقيام بالثورة العربية الكبرى عام 1916.
لقد تعاظم الشعور بالظلم في بلدان الربيع العربي في مطلع القرن الحالي وتضخم كشفته وسائل الاتصال الرقمية الجديدة التي اوجدت مناخا من التواصل غير مسبوق، ففجر في النفوس الحمية والغضب مما تراكم عبر العقود من مشاعر كامنة بالمذلة والمهانة والانكسار من هزيمتي عام 1948 وعام 1967 على يد كيان صهيوني صنيعة الغرب الاستعماري.
اكتشف الشعب العربي ان ساسته الذين تولوا زمام الأمور بعد نكبة عام 1948 كان معظمهم من العسكريين الذين جاءوا للحكم على ظهر دبابة حاملين وعود التحرير والوحدة والنهوض. لكن سرعان ما تبخرت الوعود على أرض المعركة. وفي خيبتهم وظف هؤلاء القادة مخابراتهم لقمع الناس والصوت العاقل، وكرسوا وسائل اعلامهم ابواقا تلمع أفعالهم وتغطي قصورهم وتهاجم من يتصدى لهم.
وبعد لأي اكتشف الشعب المجروح الكرامة ان هؤلاء القادة هم نمور من ورق لا تمتلك أدوات العصر، تلك الأدوات التي مكنت دويلة صنيعة من قهر شعب من أعرق الشعوب وإذلاله وتحطيم روحه المعنوية، هذه الروح التي بدأت تعلو وتكبر بعد قيام العرب بثورتهم الكبرى عام 1916 التي نفضت عن كاهل الشعب العربي ذل الخضوع طيلة ألف عام لقوى غير عربية كالديلم والسلاجقة والمماليك؛ وأخيرا الأتـراك الذين أرادوا القضاء على هويتنا بتتريكنا.
وظفت تلك القوى القادمة على ظهر الدبابات امكاناتها المتاحة للتقليل من الثورة العربية الكبرى، وساندتهم في معركتهم قوى الشد العكسي المحافظة المدعومة من القوى الاستعمارية، بالدعاية والتطبيل من على منابرهم، وعبر وسائل الإعلام ، فعملوا معا على تخدير العقل العربي واقناعه بان ما حل بنا انما هو نتيجة غضب الهي لا يقاوم ولا يرد، فلا بد من الاستكانة والاستسلام. وتعالت أصواتهم حتى طغت، وظن هؤلاء انهم طمسوا وللأبد شعارات الثورة العربية التي نادت بالحرية والكرامة والمساواة والاستقلال النافذ وامتلاك الثروات والمقدرات للارتقاء بأمة العرب لتكون صنوا للشعوب المتحضرة وعلى قدم المساواة معها.
غير ان انتفاضات الربيع العربي أسقطت تلك المعادلة، وأخذت تلك القوى التي احتلت عقولنا تخسر مواقعها واحدا تلو الآخر رغم توظيفها كافة اسلحتها العقائدية والحربية والقتالية بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة لبث الإشاعات المغرضة بهدف خلق البلبلة بين افراد المجتمع - وخاصة الشبان.
في وجه الأنواء العاصفة للربيع العربي التي امتدت نيرانه تلتهم الدول العربية الواحدة تلو الأخرى بعد تونس ، بقي الأردن صامدا. لقد صمد الأردن لقوة بنيانه وتراص صفوفه بعد عملية الاصلاح الجراحية عام 1989، والتي قادها الملك الحسين بحنكة سياسية مشهود لها فتحت صفحة جديدة في السياسة العربية، هي صفحة الأحكام الديمقراطية. ووقف الأردنيون الذين تشربوا مبادئ الثورة العربية الكبرى -وهم ورثتها- طودا راسخا في وجه القوى الضاغطة من الخارج، وفي وجه القوى المحافظة في الداخل، ودحروها بتماسكهم الفريد وصبرهم وايمانهم بمبادئهم وشعاراتهم القومية التي تبنتها حركة ملك العرب الحسين بن علي .
وما نشهده اليوم من تباشير قدوم الدولة المدنية التي رسمت قواعدها الورقة النقاشية السادسة لمليكنا عبدا لله الثاني حفيد الحسين بن علي مفجر الثورة العربية الكبرى- الا دليل على ان شعارات الوحدة والحرية والاستقلال والكرامة والحداثة والنهضة هي الشعارات الصحيحة التي ستظل تؤطر عملية النهوض ، وهي ذات الشعارات التي تبنتها انتفاضات الربيع العربي ، ويتبناها العرب من المحيط الى الخليج، لنستعيد غابر مجدنا، ونعمل معا بقلب واحد، وتحت راية واحدة، فننهض دولة حداثية قوية مدنية موحدة ديدنها الدين لله والوطن للجميع.
"الراي"