كان اليوم التالي لإستقالة د.باسم عوض الله هو الوحيد المتاح للتعليق على التغيير قبل اختفاء الصحف ثلاثة ايام بمناسبة العيد، لكن الصحافة خلت من التعليقات على الخبر. أمّا المواقع الالكترونية فلم تخل فقط من المقالات بل خلت ايضا من التعليقات أسفل الخبر. ونكاد نتفهم الأمر. فإقصاء الرجل وقد تحقق وانتهى الأمر لم يكن مرغوبا أن تتبعه مشاهد من نوع "الرقص فوق الأشلاء".
لم يسبق أن كان رئيس الديوان الملكي هدفا لهجوم علني أو طرفا في حالة من التنافر والاستقطاب كما حدث خلال الأسابيع الفائتة ، وقد بات مؤكدا في قناعة أغلب المراقبين أن دوام ذاك الحال من المحال مع أن أحدا ما كان يستطيع الجزم كيف ومتى سيكون الحسم، حتى بدأت تلوح منذ أسبوعين اشارات قويّة بقرب التغيير الذي وقع فعلا عشية العيد.
د. عوض الله شخصية ديناميكية جدا وخلافية جدا وهكذا كان في كل المواقع التي احتلّها بقابليته غير المحدودة للتمدد والتهام المساحات من حوله مما كان يخلق بالضررورة احتكاكا وتوترا مع الآخرين، لكن الأكثر ايذاء وتسميما للأجواء في الصراع الجاري كان تلوينه من هنا وهناك بصبغة اقليمية تفسد الرؤية وتحجب قضايا الخلاف الحقيقية.
وخير مثال على ذلك مكافحة الفساد التي لا يختلف عليها اثنان حتّى اذا دخلت عليها قضية المنابت والأصول خلطت الأوراق وأربكت الموقف وقسمت الناس حيث يتوجب أن يكون الاجماع. وقد كان هذا هو سؤال كل مراقب موضوعي! هل هناك خلاف حقيقي غير الصراع على الأدوار ومساحات النفوذ؟ لندع جانبا بعض الاندفاعات الكلامية أو الكتابية الموتورة وغير المسؤولة.
لقد كانت تطرح عبر الكتابات أو التسريبات عناوين كبيرة وخطيرة للخلاف تبدأ من الاقتصاد ولا تنتهي عند خيارات سياسية تمس المصير الوطني. وكان ثمّة الكثير مما يستحق الاجلاء ولم يكن متاحا إجلائه بسبب طبيعة الحياة السياسية في بلدنا ودرجة الانفتاح و الديمقراطية التي تتيح من جبل الجليد رأسه وتترك الباقي للتخمين والاشاعات والأقاويل. سمعنا عن قضايا كبرى للخلاف وضعت اطرافا رئيسية في الدولة في مواجهة رئاسة الديوان، فهل حسم التغيير الأمر؟ والى أي حدّ؟ ومن يضمن ان تغييرا من نوع آخر في الأشخاص لن يقلب الأتجاه؟ ومن يضمن أن ما يقال اليوم لن يقال غيره أو حتّى عكسه غدا ما دام الحديث عن قضايا الصراع يصل همسا الى الآذان دون ان يكون من دور أو قول فيه للناس والمؤسسات.
لننظر الى قضايا الاستثمار والبيوعات للأصول العامّة! فقد ارتبطت احيانا بالفساد وأحيانا بمؤامرة أكبر وأخطرعلى الوطن، والله وحده يعلم كم في ذلك من الحقيقة أو الإفتئات، لكن الناس يجب أن تعلم وبعد ذلك لن يصحّ الا الصحيح.
والناس تعلم الصحيح من خلال المؤسسات الخاضعة للمساءلة الديمقر اطية والرقابة وهذا هو القرار الذي يمكن الدفاع عنه، فالهجمات الشعبوية التي تخيف المسؤولين تكسب زخما ومصداقية أكثر كلما زادت دوائر القرار ضيقا وغموضا.
سمعنا عن تغيير سيتوسع ليشمل ليس الأشخاص فقط بل ايضا السياسات، وفي المركز منها طريقة ادارة شؤون الحكم! نأمل أن يكون ذلك صحيحا فالدرس الأول أن التغيير في الأشخاص لا يضمن المستقبل بل أن أسّ مشكلتنا في الأردن هي الشخصنة و الشللية في الادارة للقرار.
وقد حان الوقت للتراجع عن التراجع الذي وقع لمسيرة الاصلاح. فالتجربة تؤكد مجددا أن المؤسسية الديمقراطية هي الحلّ وهي ضمانة المستقبل.
jamil.nimri@gmail.com