جميعنا كبشر نبحث عن اعتراف بقدر او بآخر، حتى الدول والثورات تبحث عن الاعتراف الذي تستمد منه شرعيتها، كان افراط البعض في البحث عن اعتراف الاخرين بما أنجزوا قد تكون له اسباب نفسية منها انكار الاقربين او التعامي عن رؤية الواقع كما هو !
واذا كان تبادل الاعتراف في السياسة له تعقيداته ومكائده وصفقاته، فهو في الثقافة ليس كذلك، لأن الاعترافات تكون مشهودة ومدوّنة وذات تواقيع من اسماء ذات نفوذ في مجالاتها .
لكن ما بلغه واقعنا العربي من تهرّؤ وخلل بنيوي شمل النسيج برمّته، انتهى الى قلب معادلات ومفاهيم رأسا على عقب، خصوصا بعد ان اصبحت وسائل التواصل ميسورة وشبه مجانية وبلا اية كوابح !
وفي كل مجتمعات العالم ثمة تقاليد وقوانين ايضا مضادة لثقافة الاغتيال، او الاعدام الرمزي، لكن واقعنا العربي الذي اتعطبت بوصلته الاخلاقية يتيح للذبابة ان تخرج لسانها ـ اذا كان لها لسان ـ للحصان، بل تحوم حول ذيله بحيث تربكه كما حدث في قصة لتشيكوف ، ذلك من اجل هدف مثير للسخرية ، وهو انها تريد ان تقول للحصان بأنها ايضا موجودة في هذا العالم .
ان سهولة الاغتيال والاعدام الرمزي في واقعنا العربي بلغت حدا ينذر بتدمير ما تبقى وهو قليل على اية حال .
وما كان لهذه الاوبئة النفسية والاجتماعية ان تنتشر لولا ان هناك مناخات تتيح لها ذلك منها تفشي الامية واستثمار الجهل وغياب الشهود ممن يمكن الاحتكام اليهم !
لكن لحسن الحظ فان للتاريخ منطقه ايضا، ومن يسلب منه الاعتبار الان سيعاد له غدا او بعد قرن لأنه ما من جريمة اغتيال كاملة، لهذا حبّذا لو ان من ينقصهم الاعتراف يبحثون عنه بوسائل مشروعة وليس بالنيل ممن حققوه باستحقاق وإشهار !
الدستور