المجتمع بأكمله يلعن الواسطة والمحسوبية، ولكنه يلجأ إليها بعدما صارت عملية تم التوافق عليها، ومنحها غالبا شيئا من الفضيلة أو الثواب، بل إن تعبير « بينوبك ثواب ، أو أحسن لك من حجة « هي نوع من الأدبيات التي قد يستخدمها شخص ذو نفوذ لدى من بيده القرار لتحقيق مصلحة معينة لشخص لا يستطيع تحقيقها بمفرده، وإذا كان غير مضطر لتلك الأدبيات، ويطلبها بصورة مباشرة، وبعين قوية، فتلك هي المحسوبية حين تتحول المصالح المتبادلة في نطاق معين إلى منهج متبع في إدارة الشؤون العامة.
نعم هناك واسطة حميدة، حين تكون الغاية منها رفع الظلم والأذى عن الناس، أو الدفاع عن حقوقهم، والمطالبة بتحسين معيشتهم، أما المحسوبية فتلك قضية أخرى أكثر عمقا وتأثيرا على الدول والشعوب، ولها تاريخ طويل في الحياة الإنسانية، فضلا عن أنها مؤشر على سيطرة مجموعة معينة من الأقارب أو المصالح المشتركة على حساب المجتمع كله، وأثرها بالغ الخطورة على تطور الدول ونهوضها وتقدمها.
تعالوا ننظر بعمق إلى التعبير الذي استخدمه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين عندما أشار إلى مخاطر الواسطة والمحسوبية في ورقته النقاشية السادسة إذ يقول « لا يمكننا الحديث عن سيادة القانون ونحن لا نقر بأن الواسطة والمحسوبية سلوكيات تفتك بالمسيرة التنموية والنهضوية للمجتمعات، ليس فقط بكونها عائقا يحول دون نهوض الوطن، بل ممارسات تنخر بما تم انجازه وبناؤه، وذلك بتقويضها لقيم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص وقيم المواطنة، وهي الأساس لتطور أي مجتمع «.
إن عمق هذا النص واضح في التنبيه إلا أن علينا أن نقر بتلك الحقيقة أولا، لأننا في الواقع لا نقر بها، بدليل أننا نستطيع التحدث بشكل انتقائي عن سيادة القانون من منطلق أن الإجراءات المتبعة لتحقيق ما نشأ عن الواسطة والمحسوبية سليمة من الناحية القانونية، خاصة في غياب معايير حاسمة في شروط الوظيفة العامة، أو التعيين في المناصب العليا، أو المجالس على اختلاف وظائفها، وحتى في القانون نفسه حين تمنح سلطة الاستثناء لصاحب ولاية ما.
أثر ذلك معروف وموصوف على الدولة والشعب، والمصطلحات الواردة في النص مثل « تفتك، وتنخر « هي بمثابة قرع لناقوس الخطر، فإما أن نتوافق جميعا على الدولة القوية بالعدالة وسيادة القانون وتكافؤ الفرص وكرامة المواطن، وإما أننا نواصل الضحك على أنفسنا، ونكذب على الله والوطن.
"الرأي"
yacoub@meuco.jo