قديما كنت أمشي وأنا أنظر للنجوم وأثق بها "لن أسقط "، أفقد توازني، أترنح، "لن أسقط".. كبرنا وأمام البحر الحزين والذي بات بلا رائحة، بلا نسمات، ننظر للنجوم في السماء أغلبها اختفى، فالسماء كانت حبلى بملاييين النجوم ياما. في مغارة الأحلام تمنينا، رمينا نقودا معدنية في البحر الكبير، نادينا من اشتقنا إليهم مع تلاطم أمواجه عله يصل بعيدا، ياما رمينا رسائل الأحلام. في ليل لم ننتبه أنه أصبح حالكا هكذا، تخطر بالبال أغنية "على وين الدرب مودينا، وعلى أي شط مرسينا، يا بحر اتركنا ع المينا خلينا صغار، خلينا صغار"، نفهم للتو لماذا كان الفنان يتوسل أن نبقى صغارا.
نحن نحاول التملص من عروبتنا، والعيش في عالم وردي افتراضي نهاجر إليه، فبلادنا ضاقت بنا. سمعت مقولة في تعليم السيناريو "الأبطال يموتون" ونحن أبطال، نموت أحلاما وخوفا.
فلسفة المعنى تعلمناها قديما، وفقدناها الان، السماء لها طعمها، النجوم، والبحر، والقمر، المطر، النار، الكذب، الغش، الفرح، الترح، البارودة، صوت ماكينة الخياطة، الضحك، السكاكر، العشاء، الجَمعة "اللمة". الان من نحن في خضم ما نحن فيه الان، هل نملك الوقت لنتأمل، لنشتم عبق البحر، لنراقب النجوم ونخال القمر ملاكا حارسا يمشي معنا!
يا بحر نحن موجوعون، كيف لك أن تحمل جثثا كثيرة وحقائب الأحلام ودموع الفراق، كيف كفنت أناسا بلا كفن، خنقتنا أصوات أمواجك وأصبح لونك أحمر. ايه يا بحر ايه، لم تعد تحمل همومنا صغيرة وكبيرة، لم تعد يا قمر ملاكنا الحارس، والنجوم ربما بقي ١٠٠ أو مئتان، فمن الدخان والانفجارات اختلطت علينا النجوم التي قديما لكل مجموعة منها اسم. يا بحر كيف طعمك اأصبح هكذا، ورائحتك هكذا، أتذكر رائحة البرتقال من فلسطين التي تحملها نسماتك، ورائحة صخرة الربان الحنون من لبنان، ورائحة الياسمين من سوريا، ورائحة الشاى من العراق، يا بحر قواربك تلك التي كانت لعبة الصغار بخشبها الحنون وألوانها الفرحة، وأسمائها الأيقونية، باتت قواربك موت يا بحر، والربان بات متعبا حائرا، والشاي استحال دما، والياسمين غطته الدماء، والبرتقال استحال قنابلا.
يا بحر لما لم تعد تتلاطم أمواجك، وبت هكذا ساكنا راهبا قد زهد الحياة وحزينا مرغما، عيناك تعبة محمرة، أهي من البكاء! أو ربما خفت هرعت مما تراه فأصبحت لا تنام.. سأغني لك تهويدة النوم حتى تنام "بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان".. ما بك لم تبك! نم سترتاح، سأربت عليك هيا نم "ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان".. سأصمت يا بحر؛ لأنك عندما تبكي تجعلني أبكي، هي مجرد تهويدة نوم لم أبكتك هكذا؟
تعود للذهن بعد صمت خيم طويلا "على وين الدرب مودينا" لم تعد سوريا هي، ولم يعد لبنان هو، ولم يعد العراق هو، ولا فلسطين ولا العرب نحن. نحن نحاول التملص من عروبتنا، والعيش في عالم وردي افتراضي نهاجر إليه، فبلادنا ضاقت بنا. سمعت مقولة في تعليم السيناريو "الأبطال يموتون" ونحن أبطال ونموت أحلاما وخوفا.. "على وين الدرب مودينا، وعلى أي شط مرسينا، يا بحر اتركنا ع المينا خلينا صغار، خلينا صغار".
مدونات الجزيرة.