طرق النضال تؤدي إلى الارتزاق
عادل عبد الرحمن عمر
31-10-2016 10:03 AM
لا يصدمنا هذا العنوان الصارخ، أن ننسى أخطاء وهفوات الحكم الوطني على كل من جنوب السودان بشكل لافت، ودارفور التي تصاعدت قضيتها بعد 2003م، لترتبط بالضروة بفكرة المؤامرة التي نسجت بإحكام مدبر، بعد أن وضعت حرب الجنوب أوزارها إثر اتفاقية نيفاشا عام 2005م، التي انتهت إلى فصل الجنوب بعد تنفيذ استفتاء حق تقرير المصير، الذي أفرزت نتيجته بأكثر من 90 بالمائة لصالح الانفصال.
هذه النتيجة أغرت الكثيرين من أبناء أقاليم مختلفة، خاصة لها ارتباطات عضوية تاريخية مع حركة تحرير السودان بقيادة الراحل جون قرنق، من أبناء النيل الأزرق وجنوب كردفان والحركات المسلحة الدارفورية التي بدأت تمردها المتعارف عليه الآن منذ 2003م، برغم أن المشكلات التي أفرزت هذا التمرد قديمة جداً منذ ستينات القرن الماضي. فالحرب الأهلية التي إندلعت في جنوب السودان طيلة العهد الوطني لم تبق ولا تذر من موارد كافية للتنمية المتوازنة ثم أشتعل الحريق أكثر في تسعينات القرن الماضي، بعد دخول أطراف إقليمية ودولية في النزاع حتى أذنيها.
ربما المتمردون الأوائل كانت نواياهم حسنة وطيبة ووطنية ترتكز على بعض النقاء الثوري برغم أن رفع السلاح في وجه الدولة جريمة عظمى يعاقب عليها القانون في أي دولة في العالم ليبرالية كانت أم شمولية.
وفي حالة الحركات الدارفورية المسلحة فقد وقعت منذ بدايتها في شراك الأيادي الأقليمية بدءاً بالقذافي الذي يمدها بالسلاح والمال مروراً بعواصم أفريقيا التي كانت على خلاف مع حكومة الخرطوم في ذلك الزمان و مع إنفصال جنوب السودان، وتكوينه دولة زاحمتها الحرب الأهلية الداخلية، فلم تقم لها قائمة، تحول حلم الاستقلال إلى كابوس لدرجة أن شعب جنوب السودان، عاد الى الجزء الشمالي من السودان لاجئاً هذه المره، بسبب الفقر، والجوع والمرض وإغتيال الحلم.
مع كل أزمات دولة جنوب السودان الناشئة أثقلتها بعض الحركات الدارفورية التي لم تستجب لنداء السلام للمرة الألف بعد المئة، وهُزمت هزيمة داوية في أرض العمليات و تناقصت الأرض عليها تقريباً إلا من جيوب صغيرة لجأت للجنوب لتزيد من معانتها وتدمير علاقاتها بالسودان.
نقطة أخرى ضيّقت الحلقات على الحركات المسلحة الدارفورية فانفرطت وتشرذمت ودخل رجالها المقاتلين الميدانين طوعاً في مشروع السلام الذي أفرز السلطة الأقليمية بعد إنقاذ وثيقة الدوحة فتم على إثرها إنجازات مذهلة على الأرض برعاية كريمة من دولة قطر... فتبدى للجميع الطرق والمستشفيات والقرى النموذجية وآبار المياه، والكهرباء والمدارس فزهد الكل في الحرب التي تورث الهلاك والدمار، وآثروا صمت المدافع، ومعالجة الجراح المثخنة.
لم يبق للثوار الأوائل الذين خرجوا في البداية لمطالب نبيلة كما يزعمون إلى الارتزاق في موائد عديدة أبرزها الساحة الليبية المفتوحة لشهية القتل وبيع البندقية لمن يدفع أكثر فالأفواه المفتوحة والجيوب الخاوية، والقضية التي ماتت بزوال المؤثر، جعل من بعض تلك الحركات المسلحة بضاعة رخيصة للشراء بثمن بخس.
الأخبار والتقارير الصحفية أو الاستخبارية تفيدان أن بعض الحركات متورطة ــ تماماً ــ في حرب ليبيا خاصة مع مليشيات اللواء حفتر، وتذكر تلك التقارير تجمعات القوات وتمركزها ونشاطها المسلح ليس هذا من باب إشانة السمعة إنما حقيقة واضحة للعيان.
في اعتقادي آن آوان العودة الباسلة للوطن، حتى يتبقى بعض ماء الحياء في الوجه ليساهموا في بناء السودان من الداخل او تغيير الحكومة الحالية بالتداول السلمي للسلطة بعد إنجاز الوثيقة الوطنية غير المسبوقة في تاريخ السودان.
ومن الداخل يتغير كل شيء خاصة بعد الإجتماع السوداني الفريد في الحوار الوطني وما تبقى منه في نفوس المعارضين لا يحل بالبندقية ولا بموت بعض السودانيين في أرض غير أرضهم ولا لقضية ليسوا طرفاً فيها.
الفرصة مواتية للذي يريد اجتثاث النظام الحالي من جذوره لكن من الداخل، بدون أصوات البنادق أو الأرتماء في حضن الأجنبي، أنما بالرجوع الطوعي للشعب ليختار أيكم أحسن عملاً!
* كاتب وصحفي سوداني