في الجدل الواسع، والحوار المعمق الذي أثارته الورقة النقاشية السادسة، برزت مجموعة من القضايا والمسائل التفصيلية المتعددة التي تحتاج إلى إجابات ومزيد من الانضاج، من كافة الأطراف المعنية، وأصحاب الشأن على كل المستويات الشعبية والرسمية.
القضية الأولى التي تم إثارتها في هذا السياق؛ تلك المتعلقة بالبعد الوطني، وهنا لا بد من التأكيد على أن مدنية الدولة، لا يؤثر على المشروع الوطني، لأن البعد الوطني ليس محلاً للنقاش ولن يقبل الأردنيون أن يُستغفلوا من المجتمع الدولي أو من جهة أخرى، ومن يظن أن هناك إمكانية لإعادة التاريخ والعودة بالزمان إلى الخلف فهو واهم، فالأردنيون الذين استطاعوا حفظ دولتهم ومؤسساتهم وأرضهم وسط هذه الأعاصير والعواصف، قادرون على بذل المزيد من أجل الاستمرار في الذود عن حمى الوطن، وتأمين مستقبل الأجيال القادمة، والشعب الأردني مستعد للتضحية بالغالي والنفيس من أجل تحقيق هذه الغاية، وينبغي أن يكون واضحاً أنه لا مساومة على المشروع الوطني الذي يعبر عن أشواق الأردنيين وهويتهم وطموحهم نحو المستقبل، ولن يكون الأردن منفساً لأزمة طرف، ولن يرض الأردنيون أن يكون حل مشكلة « الاسرائيليين» وأزمتهم عل حسابهم وحساب أبنائهم ووطنهم ودولتهم مهما طال الزمن ومهما كان حجم المكر الخارجي.
القضية الثانية متعلقة «بالأحزاب الوطنية» حيث أن الكاتب عريب الرنتاوي توقف عند عبارة سابقة تخص هذه الجزئية «أحزاب وطنية خالصة « ظهرت في إحدى المقالات التي كانت بعنوان: ماذا يترتب على القول بالدولة المدنية؟ حيث أن العبارة جاءت بالتأكيد على النتيجة الحتمية المترتبة على مدنية الدولة أن تكون الأحزاب مدنية، بمعنّى أنّ الأحزاب يجب أن تبتعد عن الوصف الديني، وألاّ يكون هناك أحزاب تنطق باسم الدين أو تمثل الدين، أو تفرض نفسها وصيّة على الدين، انطلاقاً من القاعدة المسلم بها التي تقول إن الدين يمثل مرجعية عليا للدولة والمجتمع، ونحن جميعاً مهما اختلفت أفكارنا وعقائدنا ومذاهبنا وأعراقنا ننتسب إلى الإطار الحضاري الثقافي الإسلامي الواسع الكبير، وأن الإسلام يعد عامل وحدة بين مكونات المجتمع، وعامل قوة، وعامل تمتين للنسيج المجتمعي، ومن جعل من الدين عامل تفرقة ومواجهة بين مكونات مجتمعاتنا، فقد ناقض الدين ومقاصد الإسلام بكل وضوح، وفي الوقت نفسه يجب أن تكون الأحزاب وطنية خالصة كذلك، بمعنى أنها تنتسب للدولة الوطنية، وتخضع لدستورها وقانونها وسيادتها، وجزءاً لا يتجزأ من المنظومة السياسية للدولة الوطنية، وهذا يجعلنا نتوقف أمام الأحزاب العابرة للحدود والتي تنتمي إلى مرجعيات خارج حدود الوطن، فهذا لا يقبله عاقل ولا تقبله أي دولة في العالم، وهذا لا يعني في الوقت نفسه انعدام التشابه الفكري أو التشابه في الوسائل والبرامج بين الأحزاب المتعددة، فهذا ليس محلاً للنقاش، لأنه لا حرج علينا في الاستفادة من خبرات الأحزاب الأخرى على مستوى العالم، ولا ضير في الاستفادة من تجربة حزب ياباني أو ألماني أو عربي أو غير عربي، فالقصة متعلقة بالبعد القانوني والبعد السياسي والبعد السيادي، وهذا هو معنى أحزاب وطنية خالصة على وجه الحصر واليقين.
ولذلك ينبغي التوافق على معالم الدولة الوطنية المدنية الديمقراطية، وكذلك الأحزاب الوطنية المدنية في الوقت نفسه، بعيداً عن الشعارات الهائجة الفضفاضة التي لا تملك نصيباً من الواقعية في خيال بعض الحالمين.
الدستور