لأن القطيع لم يتعظ من امثولة الثور الابيض، فقد انتهى به المطاف الى المسلخ، واوجه الشبه بين البشر والحيوان لا تحصى، بدءا من شهوة السطو واشباع الغرائز حتى التكاثر، لكن ما بين الانسان والثور يتخطى ذلك، فالحوار والخوار وهو صوت الثور لا فرق بينهما سوى في نقطة واحدة قد تسقط سهوا من قلم حبر غير محكم الاغلاق، او من جرح، فالخوار المتلفز ينتهي احيانا الى مصارعة ثيران وان كانت ادواته الاحذية واكواب الماء اضافة الى تحويل الكلمات الى لكمات !
وما قيل عن جنون البقر سرعان ما وجد من ينسبه الى جنون البشر، وحين ذبح الثور الابيض، لم يصل الخبر سريعا الى الثيران الملونة فاستمرت تشتبك على حفنة علف وتنزو على البقر الى ان تحولت جلودها الى حقائب واحذية .
وفي عالمنا العربي هناك ظاهرة فريدة في التاريخ يمكن تسميتها ظاهرة الاستثناءات، فما يجري لقوم يدفع قوما آخرين للقول لسنا هؤلاء، وثمة ايضا من يتصورون ان الموت والمرض والفراق قدر الاخرين، اما هم فخالدون! ان احد اسباب هذه الظاهرة فقر الخيال وعجز الانسان عن وضع نفسه مكان الاخرين او في احذيتهم كما يقول مثل انجليزي شهير !
وحين قال الفيلسوف سانتيانا عبارته الشهيرة عن الجاهلين بالتاريخ والمكتوب عليهم اعادة اخطائه لم يكن في زمانه بشر يتناولون عشاءهم بشهية ويتجشأون امام الشاشات التي يرشح منها الدم، حتى لو كان دم اهلهم!
ومن يعتقد انه الاستثناء من المرض او الموت او الفقدان او اعلان العصيان تصيبه الصدمة بالشلل لأنه لم يتوقعها، بعكس من له خيال جامح يستطيع من خلاله ان يرى ما هو ابعد من انفه ويومه .
امثولة الثور الابيض توقفت عند ثور واحد، لكن امثولة عصرنا ذهبت الى ما هو ابعد واحيانا تسقط عدة ثيران بيضاء في اسبوع او شهر، لكن القطيع يصر على الاستمرار في الاشتباك على العلف واشباع الغرائز حتى لو كان العظم الذي يمتص نخاعه من ساق اخيه !!
الدستور