نحن .. والانتخابات الأميركية
د.نبيل الشريف
30-10-2016 01:20 PM
لا تفصلنا سوى أيام معدودة على اليوم الموعود لحسم معركة الانتخابات الرئاسية الأميركية إما لمرشحة الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون أو لصالح مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب.
ومع أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية أخذت تنحو نحو العزلة والابتعاد عن تعقيدات المسرح الدولي، إلا أن المتربع على كرسي البيت الأبيض ما يزال قادراً على التأثير في حياة الملايين في العالم فما تزال أميركا هي القوة العسكرية الأولى، كما أنها ذات مكانة اقتصادية وتقنية وعلمية لا يمكن تجاهلها.
ولا شك أن كثيراً من الأميركيين العقلاء سيتنفسون الصعداء لانتهاء تلك المعركة الانتخابية التي اتسمت بغياب البرامج لصالح حملات التجريح والقدح والتشهير والاسفاف غير المسبوق.
وقد أحدثت هذه الحملة صدوعاً كبيرة في الحزبين الكبيرين، فما يزال المرشح الديموقراطي السابق بيرني ساندرز يحظى بمكانة كبيرة لدى قطاعات واسعة من شباب الحزب رغم أنه انسحب لصالح هيلاري كلينتون منذ عدة شهور.
ويعود سبب شعبيته الى أنه خرج عن الخطاب التقليدي وهاجم المؤسسة القيادية للديموقراطيين التي رأى أنها تكلست وأفلست وأصبحت عاجزة عن تلبية طموحات الشباب.
أما الحزب الجمهوري فمشكلته أعوص وأعقد، فالمرشح ترامب الذي تفوق على كل منافسيه الجمهوريين ليس مرشحاً تقليدياً، فهو رجل عديم الخبرة في مجال السياسة ولكنه ذو لسان سليط، فهو يتحدث دون تفكير ويكيل الشتائم والاتهامات دون أن يحسب حساب الصدى الذي يمكن أن يحدثه ذلك.
ويمكن القول إن بضاعة الرجل الوحيدة هي تهوره وأنه يقول ما لا يمكن للآخرين مجرد التفكير به ، اضافة لهذا فإن خصومة يقولون إن حياته الخاصة شابتها ممارسات أخلاقية غير مقبولة إذ اتهم بالتحرش من قبل عدد كبير من النساء وظهرت له فيديوهات محرجة، والأخطر من هذا أنه بنى حملته الانتخابية على كرة الآخرين والتخويف من الإسلام والمسلمين واللآجئين والتشهير بالأقليات وبالتفكير في بناء جدار يعزل أمريكا عن المكسيك.
أما المقلق في ذلك فهو أن حملة ترامب لاقت صدى كبيراً في أواسط الحزب الجمهوري الى الحد الذي أحرج قيادات الحزب، فهي لا تجرؤ على تأييد ترامب أو الموافقة على طروحاته المتهورة لأنها تجافي العقل والمنطق، ولكنها تخشى، إن هي عارضته علانية، أن تخسر دعم القطاعات الواسعة المؤيدة لترامب في الحزب الجمهوري.
لقد تعرض كلا الحزبين إلى تصدعات كبيرة سيبقيان يعانيان منها بعد انفضاض سامر الانتخابات بوقت طويل.
وسواء فشل ترامب أو نجح، فإن المجتمع الأميركي سيبقى يعاني لفترة طويلة من غلبة ما يمكن تسميتها بالنزعة (الترامبية) لدى قطاعات واسعة من المواطنين الذين أصبحوا أكثر ميلاً للانعزال عن العالم وأشد رغبة في اغلاق الباب على أنفسهم خوفاً وريبة من الآخرين وتعبيراً عن مشاكلهم الاقتصادية المتفاقمة.
واذ كانت استطلاعات الرأي تمنح هيلاري كلينتون تفوقاً يتأرجح بين يوم وليلة على خلفية فضيحة إستعمالها بريدها الإلكتروني الخاص للمراسلات الرسمية إبان عملها وزيرة للخارجية، ، فإن الفروق بين المرشحين في ملفات السياسة الخارجية ليست كبيرة ، فلم يقدم أي منهما مقاربة خاصة أو مختلفة بشكل جذري للتعامل مع الملفات الساخنة التي يعاني منها العالم.
والثابت أن مجيء كلينتون سيعني استمرار نفس سياسات أوباما الى حد كبير ، ليس فقط لأنهما بنتسبان الى نفس الحزب، بل لأن كلينتون هي التي صاغت معظم توجهات السياسة الخارجية الأميركية عندما كانت وزيرة للخارجية في فريق أوباما الوزاري.
وبعض النظر عمن سيجلس على كرسي الرئاسة الأميركية بعد انتهاء الانتخابات ، فإن العلاقات العربية الأميركية تواجه واقعاً جديدة سيتعين على الطرفين التعامل معه، ومن أبرز سمات هذا الواقع هو تراجع أهمية هذه المنطقة عموماً في الفكر الإستراتيجي الأميركي بسبب اكتشافات النفط داخل أميركا التي قربتها من عتبة الإعتماد الذاتي، وبالتالي فقدان أحد أهم الأسباب التي جعلت هذه المنطقة مهمة بالنسبة لأميركا طوال العقود الماضية ، الا وهو النفط (السبب الآخر هو المحافظة على تفوق إسرائيل في مجال التسلح).
كما أن الاتفاق النووي الغربي مع ايران اعاد رسم خارطة الحلفاء والشركاء في المنطقة ، فأصبحت طهران قرب الى واشنطن من كثير من الدول العربية.
يضاف الى هذا فقد قام الكونغرس مؤخراً باقرار قانون ما يسمى بـ(الجلب الى العدالة) الذي يعطي الحق لأي مواطن أميركي متضرر من أحداث 11/9 في رفع قضية في المحاكم الأميركية ضد حكومة المملكة العربية السعودية الشقيقة ومن المرجح أن يطال أذى هذا القانون دولاً عربية أخرى.
ومن الضروري أن تنتبه الدول العربية أن مصلحتها في هذا الصدد مترابطة وعليها أن تقف موفقاً موحداً حتى لا تندم ساعة لا ينفع الندم.
أما بالنسبة لنا في الأردن، فقد نجحت السياسة الخارجية الأردنية التي يقودها بنجاح كبير جلالة الملك في نسج علاقات طيبة مع قيادات الحزبين الأمريكيين الكبيرين، واذا كانت كلينتون أطلقت بعض التصريحات غير الودية تجاه الأردن في خضم المعركة الإنتخابية ، فإن ترابط مصالح البلدين وحاجتهما للتنسيق والتشاور ستمكنهما من تجاوز أي خلاف والعمل معاً بما يخدم مصالحهما في علاقة ان لم تكن دافئة جداً فهي على الأقل عملية.