الكباريتي .. بين بصمات الزمن الجميل والحاضر الأجمل
ليلى الرفاعي
30-10-2016 09:52 AM
للماضي رائحة عبقة من ثنايا ذكرايات الزمن الجميل، الزمن الذي تحن أرواحنا اليه وتشتاق، ونتنفس أريجه وشذا عطره كلما مر طيفه بذاكرتنا، ذلك الزمن، زمن الأصالة والعراقة، أو عندما ترنو مسامعنا لأغنيات الحماسة والحمَّية كأنها طوق الياسمين، فلا نمل نشتمه عطراً يفوح بماضينا الأصيل.
حكاية فارسنا اليوم، هو أحد عناقيد الثُريا، التي لا تكتمل الإ به، العقباوي الممشوق، ابن الساحل، الذي تتكحل العقبة بقدومه، وتتراقص فرحاً لحضوره، إنه الطفل البار برملها، المتيم بمرجانها، الوفي لسمائها الشموس، وبحرها العروس، وأرضها الونوس، إنه الهادئ كهدوء البحر، الرزين كالنخلة الباسقة لا تحنيها الرياح، المفوه، صاحب الفكر والكلمة، حاضراً لا ينساه المكان.
عبد الكريم الكباريتي، أحد الشخصيات الأكثر نفوذاً في عالم المال والأعمال والسياسة، المؤثر والمتأثر بداء المال والاقتصاد، بعدما تنحى طوعاً عن كرسي السياسة الذي شغله قرابة عقدين من الزمن معتلياً حينها أكبر المناصب سيادةً ورئاسة.
عندما نتحدث عن سياسي واقتصادي بحجم الكباريتي، لا بد من وقفة وتمهل، فهوالسياسي المحنك المخضرم، الجريء إلى الحد الذي قد يعرفه المقربون ويجهله الآخرون، ففي الحق؛ يصل زئيره عنان السماء، كبرجه الناري الوقاد، فلا تأمنن لرجل حقيق في تجسيد الحقوق، شجاع بولائه المعهود، وصمته ماهو الإ الهدوء الذي قد يبدو هدوء، إننا نتحدث عن رجل فاق نظراءه، صدقاّ وفعلأ وصرامة.
هو عبد الكريم علاوي صالح الكباريتي المولود في عمان في 15 ديسمبر 1949، مبادراً وقائداً تفتحت ريحانة الريادة فيه مذ كان شاباً يافعاً، ليترأس تنظيماً طلابياً أردنياً في الجامعة الامريكية في بيروت، في سبعينات القرن الماضي، ليحلق عائداً الى أرضه الأم الأردن قبل أن يكمل دراسته الجامعية في علم الجيولوجيا، ليكمل رجلنا تعليمه فيما بعد في الولايات المتحدة الأمريكية، ويحصل على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال والمال مع مرتبة الشرف من جامعة سانت ادواردزعام 1973.
وفي نيويورك عمل مستشاراً مالياً لفترة وجيزة ليعود مره أخرى لأرض الوطن، ويؤسس مع والده مكتب للصرافة في عمان، واستمر في العمل الخاص حتى عام 1989 ليخوض بداية مشواره السياسي بمقعد نيابي، ثم تسلمه حقيبتي السياحة والعمل، ثم الخارجية، وبسرعة البرق يُكَلف في عام 1996 بتشكيل حكومته رئيساً للوزراء ووزيراً للخارجية والدفاع (1996 –1997) خلفاّ للقامة عبد السلام المجالي ، في لفتةٍ هي الأولى من نوعها، ليبدأ كريم – كما يحلو لجلالة المغفور له الحسين بن طلال أن يناديه – بتصحيح الدروب المعطوبة وتمهيدها ، وسرعان ما غاص في بحر الواجبات والمسؤوليات العظام ، برؤى أكثر شبابية واقتصادية، ونهج المؤسسية التي كان يطمح. وفي عام 1997 يعود لمقعد نيابي آخر، ثم يعين رئيساً للديوان الملكي العامر بعهد جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين حفظه الله (1999 – 2000)، ثم يختتم عمله السياسي بعضوية مجلس الأعيان الأردني، ورئاسة اللجنة المالية والاقتصادية للمجلس (2005– 2007).
أما الحقبة التي تلت ذلك فكانت عالماً آخراً بعيداً تماماً عن السياسة وأضوائها، وأمست ذكرى فاتنة بأمجادها وماضيها، معاوداً أدراجه لعالم الاقتصاد الذي يألف، قافزاً حواجز الزمن، متجاوزاً الصعوبات والتحديات في بيئة المال التي لا تعرف التراخي ولا تعترف بالحذر.
انطلق جرئياً كعادته ليعيد توثيق أواصر العلاقات الكويتية الخليجية، عضواً ورئيساً لعدد من الشركات والبنوك والجامعات، وها هو اليوم يعتلي رئاسة مجلس إدارة إحدى أكبر المصارف المالية- البنك الأردني الكويتي - ويعيد بناءه بعد وعكات اقتصادية ألمت به، مستثمراً برأس المال البشري الذي يقر به دون غيره.
أبا العون الذي برع في إدارة المال والأعمال، يكرس جل وقته الأكثر استثماراً واسئثاراً بين مكتبه وبيته بعد حياة سياسية طويلة ومؤثرة، زاهداً بالمقاعد والمناصب ومتنئياً عن صدع السياسة وضجيجها، لا زال يحظى باستحسان رفيع من العامة والخاصة، وقد يفاجئنا ذات يوم بتكليفه بحكومة جديدة ذات طابع فكري وقومي وعملي واقتصادي رفيع.
أبا العون وأنت العون ... صاحب القلب الطيب، والبسمة الهادئة الرزينة، المتواضع أمام كل ما تقدم. ترافقك طرافة بلسمية في كل مقالة أو موقف أو محاضرة تلقيها بين الجموع، تستقطب قلوبهم، وتستعير انصاتهم، وتشحذ هممهم. تسترق اللحظات الجميلة لتنفرد وعائلتك وأحفادك بعيداً عن ضوضاء المال والسياسة في عطلة سنوية، لاعترافك بحق إكرام نفسك وجسدك الذي عليك له حق، لا يؤرقك البعد رغم القرب، فأنت قريب حينما نرغب، وبعيد حينما ترغب.
Laila_refai@hotmail.com