يهلل بعضنا لانخفاض سعر النفط،لان المعيار الشخصي، بخصوص كلفة بنزين سيارة الفرد، وكلفة الوقود المنزلي، يلعب دورا في هذا الموقف، هذا اضافة الى «الاحقاد الطبقية» التي نسمع عنها احيانا من جانب البعض ازاء الدول الثرية المنتجة للنفط.
لكن علينا ان نفكر بشكل اعمق، فتراجع سعر النفط، يؤثر على الاردن مباشرة، برغم اننا لسنا دولة منتجة، والذي يشمت بالدول المنتجة، لاسباب كثيرة، من بينها الكلام عن ان هذه الدول لاتدفع للاردن كما يتوجب وكما يفترض الناس، لايعرف ان انخفاض سعر النفط يؤثر على الاردن مباشرة، عبر اربعة مستويات، واذا بقي السعر منخفضا بهذه الطريقة، فسوف يلمس الجميع في الاردن، كلفة هذا الانخفاض.
المستوى الاول، يتعلق بالمساعدات المالية، فالدول الثرية التي تقدم للاردن مساعدات مالية، تواجه اليوم ضغطا كبيرا على موازناتها، وتواجه عجوزات مالية صعبة، وهي مشغولة بتدبر امورها، وليست في وارد مساعدة احد، لان المال لديها يتناقص، والمؤشرات تتحدث عن سعر منخفض، لفترات طويلة، وهذا يؤدي الى تجفيف مالي على مستوى المساعدات، والاردن هنا يتضرر جزئيا، وكليا في حالات ثانية.
المستوى الثاني يرتبط بوجود مئات الاف الاردنيين في هذه الدول، واذ تنخفض الاسعار، يفقد كثيرون وظائفهم، وهذا امر بدأ يتحقق في بعض الدول، والامر لاينحصر بالاردنيين بل بالعرب والاجانب، فشركات المقاولات مثلا، لاتحصل على حقوقها من الحكومات، ولامشاريع جديدة، فتضطر ان تتخلص من كوادرها، فيعودون الى الاردن المثقل بمن فيه، بأعداد كبيرة، وتتوقف تحويلات هؤلاء المالية الى عائلاتهم، بل ان من يعملون ويحافظون على اعمالهم، يتصرفون ايضا بحذر وتحسس، تخوفا من ان ياتيهم الدور، فيمتنع كثيرون، عن انفاق قرش في الاردن، على شراء ارض، او شقة، او على اي استثمار صغير، وهذا يرتد في المحصلة على الاقتصاد الاردني، ولايتوقف الامر عند شركات المقاولات، بل يمتد الى قطاعات كثيرة، وكل القطاعات مترابطة.
المستوى الثالث، يتعلق بوضع الاقليم ذاته، فليس من مصلحة الاردن، ان تواجه اي دولة عربية، مشاكل سياسية او امنية او اقتصادية، خصوصا، حين نرى هذه الانهيارات في دول عديدة، ومن مصلحة الاردن المباشرة، ان تبقى هناك دول عربية آمنة وقوية ومستقرة، حتى تبقى هناك ملاذات بالمعنى السياسي والاقتصادي، اضافة الى عمق استراتيجي مستقر وبلامشاكل، اضافة الى ان شعوب تلك الدول، تستحق ان تعيش مستقرة، وليس انجازا عظيما، ان نرى اي شعب عربي، يواجه اي مشكلة، لاي سبب.
اما المستوى الرابع فيرتبط بحالة معنوية وشيوع الذعر، فأنخفاض سعر النفط، وتداخل حلقات الدول ببعضها البعض، سيؤدي الى تداعيات على الجميع، فالدولة التي تواجه اي مشاكل اقتصادية جراء خفض النفط، ستنعكس مشاكلها حتى على الافراد، الذين سوف يتوقفون عن اي استثمار مالي في دول اخرى، وستوقف هؤلاء ايضا عن التصرف على اساس الرفاه، فلا سياحة ولاسفر، وترتيب الاولويات يصير هو الاهم، بما يؤثر ايضا على كل دول المنطقة، لان مشاكل الخزينة، لاتبقى حكرا على الخزينة، بل تمتد الى الافراد، وتصل الى دول مجاورة.
مناسبة هذا الكلام، تلك الذهنية الشامتة بأنخفاض سعر النفط، وتلك الذهنية التي تقول اننا لم نستفد شيئا من ثراء هذه الدول، وهذا كلام غير صحيح ابدا، فمئات المليارات تدفقت خلال عقود من العراق ودول الخليج العربي، على شكل حوالات الافراد، والمساعدات الرسمية، ولو كان هناك خبراء يحصون هذه الارقام، لاكتشفنا ان الاردن، استفاد كثيرة من رخاء ورفاه تلك الدول، بأشكال مختلفة، لكننا للاسف، نحصي الامر فرديا، فمن لم يصله دولار مباشر الى يده، يتمنى ان يحترق العالم.
والقصة لاتقف عند حدود المنافع، بل ان علينا ان نتنبه الى ماهو أهم، فهذه دول وشعوب، نفترض ان نتمنى لها الاستقرار، اذ تكفينا تلك الدول الذبيحة من حولنا، حتى اصبحنا محاطين بدول محطمة في كل مكان، فلاالعاطفة ولاالدين ولاالمصلحة، تقبل ايضا، ان نصفق كثيرا لانخفاض سعر النفط، بأعتبار ان هذا «عقاب الهي» للدول الثرية، فهذه ذهنية انتحارية، تشعر بالغرق، وتريد جر كل المنطقة خلفها، الى ذات حالة البحيرة المالحة.
نريد خبراء يقولون لنا، عن التأثيرات السيئة جدا، على الاردن، جراء انخفاض سعر النفط، على مستوى الافراد المقيمين في الخارج، والافراد الذين يعيشون في الاردن، وعلى مستوى الخزينة، وعلى مستوى امن الاقليم واستقراره، وبغير ذلك تكون الشماتة، حالة مرضية، يصح وصفها، بالمستعصية، والتي لاتفقه الحقيقة التي تقول ان الكلفة نهاية المطاف على الجميع، فيما يبقى مثيرا، ان يقرر الواحد فيناموقفه فقط، على اساس خزان وقود سيارته الخاصة وحسب، بأعتبار ان العالم يبدأ وينتهي في هذه القضية!!.
تذكرني هذه الشماتة المتفشية، بتلك الشماتة، حين عاد نصف مليون اردني، من الكويت، فالشماتة تجلت بهؤلاء، بأعتبار ان زمن الرفاه والعز قد ذهبا، وان على العائدين الميسورين سابقا، والموصوفين بالتكبر، الشرب من ذات الكاس المرة، التي يشرب منها البقية، لكن وبعد فوات الاوان، اكتشف الجميع، ان مرارة الكاس قد زادت، جراء هذا الحمل وهذه العودة، وكان الشامتين، اول الشاربين من الكاس الجديدة!!.
الدستور