من سينتهي أولاً الحرب أم نحن
فايز الفايز
30-10-2016 12:38 AM
كانت الحروب والمعارك السياسية التي خاضتها أنظمة عربية في ما سبق من عقود بعيدة لا تغدو عن كونها ضرباً من النزق السياسي والترف الإقتصادي، حيث النفط يتدفق، والخزائن متخمة بالذهب ومليارات الدولارات الفائضة في البنوك المركزية ، لهذا كان قادة الجمهوريات العربية يستمدون إكسير حياتهم من سيطرتهم على موارد البلاد، ومثلهم قادة آخرون يحتكمون على ميزانيات لا تمتلكها الدول الصناعية الكبرى، لهذا كانت صفقات الأسلحة تتم كما شراء الشكولاته، لقد كانت أسلحة الجيوش العربية غالبا لا تعدو عن كونها إكسسوارات، وعقود الصيانة ما بعد البيع تعادل أضعاف أثمان الكميات.
لا شك أن الإنفاق العسكري في العالم العربي يعد في المستويات غير الطبيعية مقارنة بدول العالم، ولكن في زمن الحرب يجب أن يكون لديك مخزونات ضخمة من الأموال المتدفقة كي تحافظ على الإستقرارالإقتصادي للبلد وطمأنة المجتمع واستمرار مسيرة التوظيف وتوفير فرص العمل للمواطنين، ولكن ما جرى خلال الخمس سنوات الماضية كشف عورة الخطط الإستراتيجية واستكشاف المستقبل لدى النظام العربي الرسمي بشكل عام، حيث انهارت أنظمة واستبيحت الدول وتحولت بلدان الى ساحات حرب مفتوحة وهذا يثبت الفشل وعدم الأهلية.
اليوم ونحن ندخل العام السادس على ذكريات دخول أول أفواج اللاجئين السوريين الى الأردن هربا من القتال الذي كان قد بدأ بالإحتدام في الجبهة الجنوبية للعاصمة دمشق عام 2011، علينا أن نقف طويلا أمام تلك الصور المعروضة في حائط الذاكرة ، لقد كان الشعب السوري من أكثر وأفضل الشعوب العربية تعايشا مع واقعه الإقتصادي والسياسي، وكانت سوريا عمقنا الإقتصادي والرئوي ،حتى حاول الجيل الجديد في جنوب سوريا تقليد أشقائهم في ليبيا ومصر، ولكن النار اشتعلت في سوريا كلها، وكان الأردن أكثر البلدان تأثرا بالصراع السوري، لقد انهارت قواه الإقتصادية والسياسية، ولولا قوة جيشنا ومنعة القوات المسلحة، لأحرقتنا نيران الأعداء والأصدقاء أيضا.
إن مجرد الجلوس أمام خارطة الوطن العربي لنتأمل ما يجري فيها وعليها، سنجد أنه من الغباء إنتظار ساعة الفرج و خروج قرار وقف الحرب الدائرة بلا طائل، الحرب لن تتوقف لأن هناك قوى خفية أكبر من القوى الظاهرة تذكي هذا الصراع الذي دمر البنية الأساسية للنظام العربي، وهي المستفيدة من صراع المتوحشين في الصحراء العربية، فالموازنات الحربية قد استنفدت موارد الدول العظمى في الحربين العالميتين ،فكيف لا تستنزف موارد بلادنا العربية ونحن نعلم أن إقتصادنا هش ومبني أساسا على النفط الذي بات موردا ثانويا للطاقة.
لقد أدخلنا الى بلدنا كل أشقائنا العرب من العراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان، وتلك البلدان لو اختارات التنمية واقتصاد الخدمات والتصالح الوطني بين مكونات الشعب دون النعرات الطائفية والعرقية والإقتتال السياسي ، لوجدنا الإقتصاد العربي يحقق قفزات هائلة ، ولا حاجة للوصاية علينا من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لمنحنا وصفات علاجية مرّة، ولما وصل الحاجة بأغنياء العرب للإقتراض الخارجي لتمويل حروب تستفيد منها فقط شركات صناعة الأسلحة،فيما التعليم في بلادنا العربية ينهار، والعقول الذكية تهرب خارج الخارطة العربية، وإعادة إعمار الدول المدمرة، العراق وسوريا واليمن وليبيا ستأتي على ما تبقى من أمل بتحقيق عيش متواضع، فهي بحاجة الى ترليونات الدولارات والحساب من دمائنا ومستقبل أجيالنا.
يجب على الأنظمة العربية أن تضع خطة للخلاص، والخروج من دوامة الحرب التي لم تنتج شيئا، فليس من المعقول أن تستمر حرب الشرق الأوسط أكثر من الحرب العالمية الثانية، فاستقرار البلدان العربية هو مصلحة أساسية للأردن كي يعود ليتنفس بشكل طبيعي إقتصاديا على الأقل، لأن مشكلتنا الإقتصادية والإجتماعيةوانعكاسهما على الأجيال القادمة ستكون أسوأ من نتائج حرب اليمن وسوريا والعراق وليبيا.
على أحد ما من الزعماء العقلاء أن يتحرك لخلق محور إعتدال غير منحاز لوضع خطة لإنهاء المأساة التي حصدت ملايين القتلى و الجرحى ودمرت اقتصاد البلاد، يمكن شرحها في موسكو وواشنطن وباريس و طهران أيضا، فكل يوم جديد يأتي على هذه البلاد بأسوأ مما قبله،ويجب أن نضع مصالحنا الخاصة في وجه الجميع، ولا بأس من إعادة تغيير كامل باستراتيجية تحالفاتنا، فلننظر الى ديناميكية أنقرة البراغماتية، إنهم لا يثقون بغير مصالحهم،فهل نعيّ قبل أن تقضي علينا حرب الأغبياء؟!
الراي