أعادتني سلسلة الأخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام المختلفة عن عدد من الجرائم التي شهدها وطننا خلال الأيام القليلة الماضية إلى سلسلة أخرى مشابهة شهدها شهر رمضان الماضي من حيث حجم العنف الذي شهده مجتمعنا في رمضان, ويكفي هنا أن أشير إلى إحصائية نشرتها وسائل إعلام, جاء فيها أنه خلال أربع وعشرين ساعة فقط وقعت 4 مشاجرات مسلحة في مدن أردنية رئيسية,إضافة إلى وقوع أربع جرائم قتل خلال أربعة أيام ذهب ضحيتها اثنا عشر شخصا وعشرات الإصابات وهدم المنازل, وهي احصائية دعمتها خلاصة التقرير الاحصائي الجنائي لمديرية الأمن العام كما وردت في تقرير لوكالة الأنباء الأردنية بترا جاء فيها أن الأردن يشهد وقوع جريمة كل 21 دقيقة و41ثانية بشكل عام وبمختلف أنواعها, وأنه تقع جريمة جنائية في الأردن كل ساعة و8 دقائق و47 ثانية بالإضافة إلى جريمة جنوح كل 31 دقيقة و 40 ثانية.
إن هذا الحجم المتنامي للعنف والجريمة في بلدنا يدعونا إلى عدم الاستهانة بهذا الجنون الذي يجتاح مجتمعنا,ويأخذ شكل العنف الذي يعبر عن نفسه بطرق وصور كثيره من الخشونة والفضاضة المادية والمعنوية, مما لا يجوز أن نتعامل معه على أنه حالة محصورة أو عابرة, فكل الدلائل والوقائع تشير إلى أن العنف أصبح سلوكاً اجتماعياً يترسخ في المجتمع الأردني بكل شرائحه وفئاته وأعماره, والدليل يقدمه لنا رصد بسيط لأخبار الجرائم وتفصيلاتها كما تنشرها وسائل الإعلام الرصينة والتي تعتمد على بيانات الأمن العام ونشراته وتصريحاته, فمن حيث العمر هناك جرائم ارتكبها مسنون طاعنون في السن, وأخرى ارتكبها كهول, وثالثة ارتكبها شباب, ورابعة ارتكبها أحداث, أما من حيث الجنس فقد اشترك الذكور والإناث في ارتكاب هذه الجرائم, مما يدفعنا إلى الدعاء للخالق عزوجل أن لا يصبح ارتكاب الجرائم حقاً من حقوق المرأة التي تطالب بها بعض حركات الدفاع عن المرأة وحقها في المساواة مع الرجل في إطار ثقافة الجندر!
ومثل تنوع الأعمار في ارتكاب الجريمة فقد تنوعت أيضا صور تنفيذ الجريمة, فهناك جرائم ارتكبها فرد واحد, وهناك جرائم تمت بمشاركات جماعية منها مشاركة بين أصدقاء, ومنها مشاركة بين أقارب, ومنها مشاركة بين سكان حي, ومنها مشاركة بين أفراد أسرة واحدة, ومنها مشاركة جندرية بين رجل وامرأة جمعتهما علاقة آثمة, أو مصلحة مادية دفعتهما لتصفية طرف ثالث.
ومثلما أن كل الأعمار شاركت في الجرائم التي وقعت وما زالت في الأردن كذلك فإن كل التصنيفات للمستوطنات البشرية شاركت هي الأخرى في موجة العنف والجريمة التي تجتاح بلدنا, فمن أرقى أحياء عمان الغربية مروراً بأحيائها الشرقية, إلى أحياء المدن والقرى والمخيمات والبادية, فكلها تشهد تزايداً ملحوظاً في نسبة العنف والجريمة التي أصبحت ظاهرة مقلقة في بلدنا لابد من التصدي لها بحزم.
لايقتصر التنوع في موجة العنف والجريمة التي يشهدها بلدنا على العمر والنوع والتوزيع الجغرافي والاجتماعي والطبقي, باعتبار أن هناك جرائم ارتكبها أغنياء, وأخرى ارتكبها فقراء, وبعضها ارتكبها سكان أحياء راقية, وأخرى ارتكبها سكان عشوائيات, بل امتد تنوع الجريمة في الأردن ليشمل الضحايا فبعض الجرائم ذهب ضحيتها فرد واحد, بينما أودت بعض الجرائم بأناس بالجملة, وقد تنوعت العلاقات بين الضحايا كما تنوعت بين مرتكبي الجرائم, فبعض الضحايا ربطتهم علاقات قرابة, فعديدة هي الجرائم التي أودت بأفراد اسرة كاملة كانوا ضحية أحد افرادها, أو نتيجة ثائر ليس لهم علاقة مباشرة به, وبعض الضحايا جمعتهم علاقات مهنية, وبعضهم الآخر جمعتهم علاقات صداقة, ولا نغالي أن قلنا ان بعض الضحايا جمعتهم الصدفة.
أما التنوع الأخطر الذي تتصف به ظاهرة العنف والجريمة التي تجتاح بلدنا فيتمثل في طرق تنفيذ الجرائم وتنوع أدواتها, فمن إطلاق الرصاص من طرف شخص واحد ومن مسدس, إلى إطلاق رصاص كثيف من قبل أشخاص عدة ومن أسلحة أتوماتيكية كما واقع في العديد من المشاجرات الجماعية التي قرأنا عنها في بيانات الأمن العام, إلى الطعن بالسكاكين والسواطير, إلى استخدام الأدوات الحادة مروراً بالحجارة وصولاً إلى الدعس الجماعي والفردي بالإضافة إلى دس السم أو الخنق, وكذلك الحرق واستخدام الجرافات لهدم البيوت على سكانها, أي أن الأردنيين صاروا يستخدمون كل ما يتاح لهم من أدوات للتعبير عن غضبهم الذي صار يأخذ شكل الجريمة المرعب, والتي صارت سلوكاً اجتماعياً مقلقاً لابد من أن نتداعى جميعا للتصدي له من خلال معالجة أسبابه, وهي الأسباب التي سنتحدث عنها في مقال قادم.
الراي