رحيله كان تدريجيا حتى لا يشعر الاخرين بفقدانه، نعم فقدانه فنحن لا نلتقي به الا مرة واحدة في كل عام ولكن يا ترى هل سألقاك العام القادم يظهر وتظهر معه العبادة المكثفة على غرار بقية الايام وتظهر مظاهر لا اراها الا فيه فها هو رمضان غادرنا كعادته كل عام ، في هذا الشهر الفضيل تضطرب عقول الناس وكأن الطعام
هو المسكن الذي ادمنو عليه وانقطعوا عنه دون ادنى مقدمات فترى الناس تجمع الاخضر واليابس وكل مايشتهيه المرء ويصففه على المائدة هذا في حال ان كان يوجد فراغ لذلك، فكل فرد من العائلة له ميول غريبة في الطعام تتعاكس مع غيره فالمكان يحجز للطبق حسب رتبة شخصه الكريم، فحتى في هذا يتصارعون فالمائدة تملي عليهم شروط لم يتوقعوها قبل الان من حيث الطول والعرض .
ذهب رمضان وذهبت معه طقوس نادرة كالعبادة احيانا و تفقد الفقير احيانا اخرى فكل منا يسعى ان يكون صاحب الشرف في رمضان سواء اكان بافعاله ام في اقواله.
ولعل اكثر ما يدهشني في هذا الشهر الفضيل هي حواء من شتى الفئات العمرية فهي تمضي طيلة ايامها في هذا المطبخ الذي وجد ليشغلها عن شتى الوان المعرفة والتصدي للعدوان، فهي تمضي مع المطبخ اكثر مما تمضيه في العبادة او مع افراد عائلتها لتقول في نهاية المطاف انها تقوم بواجباتها على اتم وجه ومن ثم تصبح حواء تمارس طقوسها الفريدة من صنع للكعك وحلوى العيد وبعد ذلك بعد ان يبقى 24 ساعة للعيد تتذكر فجأة وبدون سابق انذار انها نسيت شراء ملابس العيد التي يتجمل بها الصغار والكبار وتصمم من صميم قلبها انها لن يمر عليها هذا العيد بغير بناطيل وقمصان وتقف فجأة لتخبر زوجها الذي فقد كل الاموال لتخبره انها ذاهبة للتسوق وانها لن تنتقص حقها بعد رمضان ، فتذهب للسوق لتجد ان كل نساء الحي يتصارعن في عمان على شراء ما بقي عند التجار وتمضي الساعة تلو الاخرى وهن يتسكعن في عمان ثم تعود بكل لهفة لتخبر حبيبها ان التجار استغلوها ابشع استغلال وكأنها لم تخطئ ابدا في اختيار الزمان والمكان.
تنام هي والعائلة الكريمة ليبدأ شهر جديد بحدث جديد وتستيقظ لايقاظ من يريد الذهاب لصلاة العيد هنالك يصل المرء وبنيه ليجد ما لا يكون بالحسبان، فتبدأ الصلاة ويبدأ التكبير ولكنه تكبير لا كأي تكبير فهو تنفيس من الداخل فكل فرد يمارس ما كان محبوسا في القلب طيلة الايام السابقة فينطلقون للصراخ وكأنهم يتنافسون من هو صاحب الصوت الاعلى.
فكثيرة هي التكبيرات التي سمعتها في حياتي من ألسنة المؤذنين ولكن تكبيرات المواطنين هاهي تعلو يوما بعد يوم لتخترق قلوب المسؤلين ولكن ياحسافة على صوتهم الذي ينحت في الهواء المبعثر ،فلعل الدولة تزود كل مسؤول مع استلامه العهدة لاقط للصوت لكل صغير وكبير ، وكل عام وانتم بالف خير.