لسنا بحاجة الى حرب خارجية، ولا اقتتال داخلي، فنحن امام كارثة كبرى، تؤدي الى ذات النتيجة، ومنذ سنوات وكل الخبراء يصيحون ويحذرون من حوادث السير، لكن لا احد يسمع، وحين يتراوح عدد الجرحى سنويا، ما بين خمسة عشر الفا الى ثمانية عشر الف جريح، ومئات القتلى سنويا، نكون امام رقم، اعلى بكثير مما قد تتسبب به الحروب.
هذه كارثة بحاجة الى من يقف عندها، فلا يعقل ان يتفرج الجميع، على هذه المذبحة التي تجري باسم السيارات، وتحديد اسباب المشكلة، سهل، فالحصول على رخصة القيادة يجري بطريقة سريعة، بينما الاصل ان لايحصل على الرخصة، الا من تجاوز الاثنين وعشرين عاما من عمره، بدلا من هذه الاستسهال الذي نراه، اضافة الى ان العقوبات غير رادعة على تجاوزات السائقين، فوق مشاكل الطرقات، وهي بحد ذاتها بحاجة الى اثارة منفصلة، ومشاكل السيارات التي يتم تزويدها بقطع غيار رخيصة غير اصلية، لا تخفف من الحوادث، والسرعة التي يدمنها كثيرون، واخطاء السياقة، في بلد، ندعي انه الاكثر تعليما في شرق المتوسط، لكن افراده حين يقودون تنعمي ابصارهم، وكأنهم في حرب كونية مع اعداء خفيين.
ارقام الجرحى في الاردن، اذا جمعناها خلال العشرين سنة الاخيرة، تتجاوز المليوني شخص، والرقم مذهل، فوق مئات ملايين الدنانير التي يتم هدرها سنويا على علاج المستشفيات واصلاح السيارات والتأمينات وغير ذلك، فوق كلف الجاهات والعطوات ومتطلباتها المالية المعروفة.
مما هو مؤسف ان المعالجات الوحيدة لهذا الوضع، تكمن فقط في مخالفة السائقين وملاحقتهم، لكننا نتحدث عن انتحار جماعي سنوي، يؤدي الى خسائر وجرحى وقتلى، بأعداد تشابه اعداد اي حرب خارجية، او فوضى داخلية في اي بلد، ونحن للاسف نحقق غايات كثيرة، بهذا الانتحار، فلماذا يغزونا اي عدو، او نرفع السلاح على بعضنا البعض، اذا كانت قيادتنا للسيارات تتكفل بهذه النتيجة، اي الموت التدريجي، على يد السائقين.
لقد آن الاوان، ان تقف الدولة مطولا عند ملف حوادث السير، واسباب المشاكل، ومعالجتها، والطريف ان الواحد فينا يمر من شارع فيه حادث مروع، فلا يأبه ابدا، بل يمر سريعا وربما تزيد سرعته، امعانا من كل واحد فينا، في شعوره انه الاستثناء الوحيد في هذا البلد، الذي قد لا يقع في حادث سير.
لا يجوز ابدا، ان تقف الدولة امام مشهد عشرات الاف الجرحى سنويا، وهذا المجموع المذهل لعدد الحوادث والجرحى والقتلى، فهذه ازمة وطنية، لا يجوز ان تصير اعتيادية وطبيعية، باعتبارها باتت يومية، ولاغريب فيها، فنحن بلد ينتحر ناسه عبر حوادث السير، التي تتفاقم يوما بعد يوم، وقد رأينا بعيوننا في الايام الاخيرة، نوعية وعدد الحوادث المروعة التي وقعت، وهي بحد ذاتها كفيلة بإثارة ردود فعل واسعة.
حزنا وما زلنا نحوز مرتبة متقدمة بين دول العالم، في النسبة الاعلى من الحوادث، وهذا دليل آخر على تفوقنا، اذ لا نرضى الا بالمراتب العليا في كل شيء، بما في ذلك الموت.
الدستور