عندما يتحول الخمر "لسلعة دينية"
رجا طلب
28-10-2016 09:26 PM
يبدو أن العراق الحالي، عراق ما بعد صدام حسين ذاهب نحو مزيد من الهجائن والغرائب على كل الصعد من السياسية إلى الاقتصادية إلى الثقافية، فحلم الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتحضر الذي راود الكثير من أبناء هذا البلد العريق تبخر بأسرع مما كنا نتصور، وتحول العراق "الحلم" إلى أسوأ أنواع الكوابيس أو للدقة إلى أسوأ أنظمة الحكم في المنطقة بعد أن بات هذا النظام مجرد خلطة "سمك لبن تمر هندي"، ظاهره نظام دستوري – ديمقراطي تعددي أما واقعه فهو ديكتاتورية دينية تابعة "للولي الفقيه" ، ظاهره الاجتماعي متعدد الأعراق والطوائف والقوميات وواقعه نظام إقصائي لم ينجح في صهر هذا التنوع الهام في إطار حالة ثقافية – اجتماعية – سياسية بناءة وإبداعية تستثمر هذا التنوع في بناء نموذج حضاري للعيش المشترك .
أسباب فشل النظام السياسي في العراق عديدة ولكن أبرز تلك الأسباب هو الإسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني وما نتج عنهما من طائفية بغيضة ومحاصصة سياسية وتقزيم "للدولة" على مقاس النظام المليشياوي الطائفي الذي جذب إليه مجاميع السراق والجهلة والقتلة الذين هيمنوا على عملية صناعة القرار في البلاد وأفقدوا تلك الديمقراطية الوليدة أبسط معانيها وأبسط أشكالها، وهذا تماماً ما جرى في جلسة مجلس النواب العراقي التي عقدت السبت الماضي وكانت مخصصة لمناقشة قانون واردات البلديات حيث جرى "تلغيم" القانون في اللحظات الأخيرة لإقراره بمادة جديدة تحظر استيراد وتصنيع وبيع المشروبات الكحولية بكافة أنواعها، والآن وفي غفلة من الزمن وبدون مقدمات باتت الخمور ممنوعة في العراق من خلال الحيلة والخديعة، فأي ديمقراطية هذه؟
الموضوع هنا ولكي لا يساء فهمي ليس "حرمة الخمر من عدمها" ، وليس صحة هذا القرار من عدمه، بل الموضوع هو مدى تطابق مثل هذا القرار وآلية استصداره مع مبادئ الديمقراطية وصون الحريات العامة والحريات الشخصية ونصوص الدستوري العراقي الذي يقول في الفقرة " ب" في مادته الثانية ( لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية)، وفي الفقرة "ج" لا يجوز سن قانون يتعارض مع الحقوق والحريات التي كفلها الدستور) كما يشير الدستور في الفقرة أولا من المادة 17 من الباب الثاني إلى ( ... لكل فرد الحق في الخصوصية الشخصية ) كما تقول المادة 41 ( العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم).
فمن هذه النصوص يبدو واضحاً أن تمرير هذا القانون ليس دستورياً ولا علاقة له بمبادئ الديمقراطية ولا المصلحة العامة، والسؤال الجوهري المطروح لماذا إذاً زج بهذه المادة في قانون ورادات البلديات؟ ولماذا الآن؟ ولمصلحة من وبعد هذه السنوات الطويلة من حكم الإسلام السياسي الشيعي المرتبط بإيران ؟ وهل قانون منع الخمر يعد أولوية وطنية في الوقت الذي يخوض فيه العراق حرباً فاصلة مع الإرهاب الداعشي، ويعاني من سوء الإدارة العامة وغياب الخدمات بكل أنواعها بالإضافة إلى الفساد وغياب القانون واستشراء الرشوة والمحسوبية وغيرها من القضايا التي تنخر في جسد العراق والعراقيين؟
النائب والصديق فائق الشيخ علي أجاب بوضوح تام على هذا السؤال في اليوم التالي لصدور القرار في مؤتمر صحفي حيث أكد أن هذا القرار لا علاقة له بتطبيق الشريعة الإسلامية لا من قريب ولا من بعيد ، مشيراً إلى أن "سبب حظر بيع الخمور يأتي لأن الخشخاش يُزرع في العراق وتحديداً في المحافظات الجنوبية، والذي يتم جلبه من إيران، كما أشار إلى أن عمليات زرع نبتة الخشخاش المخدرة في مناطق الجنوب يعد أحد أسباب منع الخمور" لتكون بديلاً عنها.
وكشف الشيخ علي عن إن "أحزاباً شيعية تقوم بحماية الملاهي والبارات وصالات لعب القمار مقابل مبالغ من المال تقدر شهرياً بملايين الدولارات ".
وأشار إلى أن هناك تصريحاً لرئيس كتلة سياسية بالعراق يقول: إن هناك 72 ملهى غير رسمي، متسائلاً: "من أين جاء بهذه الإحصائية؟"، لافتاً إلى أن "هدف تلك الأحزاب من حظر الخمور هو المتاجرة بالمخدرات والخشخاش".
هذا هو الحال الذي وصل إليه الإسلام السياسي الشيعي الذي فاق في مساوئه درجة السوء لدى شقيقه الإسلام السياسي السني وتحديداً في موضوع "الاتجار والمتاجرة بالدين واستثماره" ، فلقد بات "الخمر" الآن سلعة للاستثمار الديني - التجاري في العراق، ففي المغرب يحكم الإسلاميون ولم يغلقوا البارات ويمنعوا الخمر، وفي مصر حكم الإخوان وبقيت صالات القمار مفتوحة والنوادي الليلية وغيرها من أماكن الترفيه واللهو مفتوحة وبحماية الدولة، وها هي تركيا يحكمها حزب إسلامي ورئيس جمهورية متدين ويحفظ القرآن عن ظهر قلب ولم يقدم على إغلاق البارات ومنع الخمر والنوادي الليلية، وعندما كان رئيساً للوزراء قام فقط وتنفيذاً "لأمر الله بتحريم الميسر" بتحويل صالات القمار وعلب الليل الجنسية إلى جزيرة قبرص التركية التي تعد اليوم الوجهة المفضلة للاعبي القمار من الإسرائيليين وتضخ مئات الملايين للخزينة التركية في أنقرة.
الاستثمار بالدين مازال أكثر أنواع التجارة ربحاً وأقلها تكلفة في عالمنا العربي.
امارات 24