بعد حادث المصطبة الشهير للحافلة القادمة من العقبة والذي راح ضحيته عائلات وافراد , خٍلنا ان انضباط الحافلات قد تحقق وان الرقابة عليها بات امرا محسوما , الى ان فاجأتنا حافلة اربد وضحاياها الذين بعمر الورد رحمهم الله , لنكتشف اننا ما زلنا اسرى الفزعة واسرى عملية التراخي وان الرقابة على الشوارع شبه معدومة , فالشوارع باتت مؤجرّة لوافدين والمحلات فيها تدفع خاوات وبدل حراسة لاصحاب السوابق , وان السير عليها محفوف بالمخاطر وكأننا في الرقة او الموصل , فحادث اربد يفتح الجرح الملتهب والنزاز يوميا فقد تلاه حادث اخر في البادية وتلاه وتلاه , وقصة تغيير المسرب المفاجئ بحاجة الى مراجعة وسبق ان كتبنا في نفس هذا المكان عن اختلال الرقابة حيث اشارت دراسة اعدتها جمعية متخصصة بالطرق والسير الى ان 75% من حوادث المملكة سببها تغيير المسرب المفاجئ في حين ان حجم المخالفات على هذا التغيير المفاجئ 10% فقط مما يؤكد ان مخالفات السير هي جباية ضريبية وليست اجراءات للردع , فالبلديات وامانة عمان تُدرج ارقام تحصيل المخالفات قبل وقوعها في موازناتها .
الدلالة الرقمية القادمة من الاحصاءات تقول ان الاردن من اعلى خمس دول في العالم في حوادث الطرق وان 160 الف حادث يتم تسجيلها سنويا ناهيك عن الحوادث التي تنتهي بالتراضي بين الاطراف , وقبل شهر تقريبا كان هناك اجتماع في مديرية السير لمناقشة الرقم الصادم لحوادث السير في الثلث الثاني من العام الجاري حيث تجاوز رقم الحوادث حاجز ال 100 الف حادث , ومع ذلك بقيت الارقام حبيسة الادراج ولم يتم تحليل الارقام بحيث نعرف اسباب الحوادث ونقوم بتحليلها ووضع العلاجات اللازمة في القانون ونسعى الى تأهيل السائقين وتأهيل افراد الامن في دائرة السير بدل التركيز على نصب الكاميرات للجباية وتسجيل المخالفات حسب الكوتا المقررة لكل بلدية ولكل امانة وثمة تصريحات بأن هناك كوتا للمخالفات وان دفاتر يجب ان تمتلئ .
دليل الجباية الواضح هو غياب أي برنامج توعوي للسير على الطرقات سواء من المشاة او من الحافلات رغم وجود مديرية او قسم للطرق في كل بلدية وفي امانة عمان , ولم نسمع عن ندوة او حتى بروشور يتم توزيعه على السائقين ولم نشهد هبّة لوقف الدم النازف في حرب الشوارع المعلنة يوميا , فحادث الحافلة في اربد ليس وليد الساعة بل هو نتيجة تراكم في غياب الرقابة على الحافلات فنيا وعلى السائقين مهاريا وعلى الشوارع تعبيدا وصيانة وعلى افراد السير تدريبا وتجهيزا , القصة لم تعد خافية على احد والكل يعرف معاناة الشوارع في عمان وكيف باتت مؤجرة لوافدين وكيف حملت اسماء جديدة تُعبّر عن طبيعة الشخص الذي يتضمنها او يفرض اتاوته عليها و على جنسيته ايضا , والكل صامت ومتواطئ , على المهزلة التي نراها كل يوم في شوارعنا من وقوف عشوائي واستعمال للهاتف وغياب حزام الامان وغياب وغياب حتى بات الوصول الى البيت يستوجب حبة مهدئ او اكثر .
نخسر في حوادث السير ارواحا واموالا تساوي خسائر حروب فعلية , ونخسر غرقى اكثر من بلدان فيها محيطات وانهارا وبحارا , ونخسر في المشاجرات اكثر واكثر , وكل ذلك لغياب الهيبة وانعدام الرقابة وعدم قيام المؤسسات المعنية بواجبها , فالكل مرتجف او ضامن لعدم المحاسبة او غاضب لامر في نفسه , والجميع يشكو من انفلات العقل المركزي وغياب المساءلة وكاننا نحسد انفسنا على الاستقرار وعدم الانفلات واحتار دليل الوطن من اين يبدأ في العلاج الذي بات يحتاج الى ثورة شاملة لاستعادة هيبة الدولة للحفاظ على الارواح والممتلكات.
الدستور