نطالع باستمرار توقعات وتصنيفات متغيرة تصدرها مؤسسات مالية، ووكالات تصنيف دولية، حول معدلات النمو الاقتصادي، والديون السيادية، وأسعار الفائدة، والنفط، وغيرها، لتجعل من الصعب تحقيق الأهداف بالركون إليها، لأن ذلك يحتاج مسارا مرصوفا بالحقائق، فيما تلك التوقعات في معظمها بيانات تستند إلى أشباه معلومات
فوكالات التصنيف الائتماني التي خفضت تصنيف عدد من الدول عام 2016، تعترف أنها ناقضت نفسها عندما لم ينعكس إجراؤها على تكاليف الاقتراض العالمية، كما أن وكالة «ستاندرد آند بورز» التي خفضت في بداية 2016 التصنيف الائتماني للديون السيادية السعودية، لم تكن حصيفة عندما استندت إلى توقعات لأسعار النفط بـ 20 دولارا للبرميل، ما يجعل اتهام محكمة إيطالية مسؤولين من ستاندرد آند بورز وفيتش، بالتلاعب عبر خفض تصنيفات ديون إيطاليا السيادية خلال أزمة ديون 2011 و2012 في محله، واتهام الحكومة الأمريكية لستاندرد أند بورز بتعمد رفع تصنيفها للاستثمارات العقارية الخطرة للتغطية على عملائها، ما أدى إلى وقوع الأزمة المالية العالمية في 2008، منطقيا.
سعر النفط لم يسلم أيضا من التوقعات المتناقضة، فالبنك الدولي خفض توقعاته لسعر البرميل للعام 2016 إلى 37 دولارا من 51 دولارا في شهر أكتوبر 2015، ليرفع - مستندا للاتفاق النووي الإيراني - توقعاته من 53 دولارا للبرميل إلى 57 دولارا، ليعود ويتوقع سعر 55 دولارا في العام 2017 بدلا من 53 دولارا، متوقعا في تقريره لشهر أكتوبر2016، أن تقفز أسعار الطاقة بما فيها النفط والغاز الطبيعي نحو 25% عام 2017، أي أكبر من توقعاته السابقة.
رفع سعر الفائدة الأمريكية، فمع كل جلسة لمجلس محافظي الاحتياطي الفيدرالي، تزيد التوقعات برفع تلك الفائدة فوق المدى الحالي البالغ 0.25٪ – 0.50٪، ما يؤدي لارتفاع سعر صرف الدولار وتراجع أسعار النفط والذهب والسلع الأولية الأخرى، ويحدث العكس عند تأجيل القرار، فيتراجع سعر صرف الدولار، وترتفع أسعار النفط والذهب وتنخفض غيرها، في لعبة لن تتوقف فيما يبدو.
والحال نفسه بشأن معدلات النمو الاقتصادي، فبنك التنمية - مقره واشنطن - خفض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكي في عام 2016 إلى 2.9%، من 3.3%، فيما البنك الدولي قلص توقعاته إلى 2.7% انخفاضا من 2.8%، وخَفَّض صندوق النقد الدولي تنبؤاته إلى 1.6% مقابل 2.2% في يوليو، وبالمناسبة فإن توقعات النمو الاقتصادي لدولة مثل الأردن للعام 2016 تتفاوت بين البنك الدولي 2.3%، وصندوق النقد الدولي بين 2.5%-3%، والحكومة الأردنية 3.7%، والرؤية العشرية للاقتصاد الأردني 4.7%.
هذا السيل من التوقعات المتناقضة وغير المستقرة على اتجاه، يطرح السؤال عن المستفيد منها؟ المضاربون، الذين يعتبرهم البعض فاكهة الاقتصاد العالمي، والمتلاعبون بمصير الشعوب والدول وعلى رأسهم الولايات المتحدة، التي حامت شبهات حول خدمة هذه التوقعات المتضاربة مصالحها السياسية والاقتصادية، لدرجة أن البعض ومنهم فائزون بجائزة نوبل في الاقتصاد، وصفوا آلية إدارتها لمنظومة الاقتصاد العالمي بأنها «اقتصاد التلاعب»، ما يبقي الناس أسرى أرقام وتصنيفات تنعكس على مشاعرهم خوفا وقلقا، وعلى الدول والحكومات صعوبة في التخطيط أو التوقع، ويجعل الجميع في حالة ترقب أو مغامرة، ما قد يفسر وقوع الأزمات المفاجئة، وحالات الانتعاش غير المتوقعة. لوسيل