يقول الكاتب فكري اباظة ان من حاولوا ترجمة كتابه الضاحك الباكي الى الانجليزية او الالمانية او الاسبانية اصابتهم الحيرة من العنوان لأن الانسان في بلادهم لا يبكي حتى الضحك ولم يرث من اسلافه عبارة شر البلية ما يضحك، ولم يقرأوا ما كتبه المتنبي عن المضحكات المبكيات لهذا اصابتهم الحيرة مثلما اصابت من حاولوا ترجمة عبارات من طراز اتق شر من احسنت اليه، او الاقارب عقارب، فهل انفرد العرب من بين سائر الامم بهذا النمط من التفكير ام انهم ورثوه عن ايامهم الاولى في الصحراء ؟
المسألة من اولها الى آخرها سايكولوجية بامتياز لهذا كانت ولا تزال كل المقاربات السياسية سطحية ومجرد توصيف بلا نتائج .
ما شهده المتنبي في زمانه كان كما سماه من المضحكات المبكيات فماذا لو عاد حيا الى ايامنا ؟ هل سيبحث عن وصف آخر لما نحن عليه، وهل يبكي حتى الضحك ويضحك حتى البكاء ام يخلع عينيه من الجذور كي لا يرى ما نرى ؟
سبق لبعض اسلافنا من حكماء ومؤرخين ان تمنوا لو انهم لم يخلقوا ولم تحمل بهم امهاتهم لهول ما رأوا وسمعوا في زمانهم، لكن ما يحدث الان تجاوز كل ما كتبه ابن اياس في بدائع الزهور وما قاله ابن الاثير عن الهضبة التي شيدت من الجماجم !
انها اذن حالة ثالثة ليست ضحكا وليست بكاء، انها حالة من التمسحة احيانا ومن الديناصورية احيانا اخرى ما دام الجريح يطعن من بجواره كي لا ينجو، وما دام الفقير يبحث عن المدقع الاشد فقرا منه كي يعيّره بفقره، وما دامت الحرة تأكل بثدييها حتى قبل ان تجوع !
لم يجد مترجمو كتاب فكري اباظة في لغاتهم ما يزاوج بين الضحك والبكاء او ما يعادل ويرادف اتق شر من احسنت اليه او الاقارب عقارب، فأية براءات اختراع هذه التي ننتحر بها كما تنتحر القطط بلحس مبارد الحديد ؟؟
الدستور