مفهوم سيادة القانون في الورقة النقاشية الملكية
المحامي الدكتور غازي العودات
25-10-2016 05:04 PM
سيادة القانون مفهوم حقوقي مركب وينطوي على أبعاد تؤثر في حقوقنا القانونية وفي جميع مناحي حياتنا اليومية كالعقود والمنازعات القانونية والصحة والتعليم والأمن والبيئة والعمل والمرافق العامة وإدارة شؤون الدولة. وتكمن أهمية سيادة القانون في أنها الضمان الأساسي لحماية حقوق الافراد وحرياتهم في أي نظام. فالهدف من إرساء مبدأ سيادة القانون هو حماية أمن وسلامة وحقوق افراد المجتمع وفض نزاعاتهم بالقانون وتأمين رفاههم ونمو اقتصادهم واستدامة مصادرهم.
يترجم مصطلحRule of Law في الفقه القانوني العربي بـ "سيادة القانون" أو "حكم القانون" كمفهوم قانوني وحقوقي عالمي تحدث عنه كبار الفلاسفة ورجال القانون والقضاء منذ عهد الاغريق وحتى العصر الحديث. وقد تبلور مفهوم سيادة القانون حديثاً في النظريات المختلفة في الفقه الانجلوسكسوني او اللاتيني (ومنهم الفرنسي) وكذلك الجرماني. الباحث في هذه النظريات يجد أن القواسم المشتركه لسيادة القانون تتمثل في أن (اولاً) الذي يحكم العلاقات في المجتمع هو القانون نفسه وليس الرأي التحكمي للافراد وان جميع أشخاص المجتمع المعنويين والطبيعين- بما في ذلك الدولة وموظفيها- خاضعون بقراراتهم وتصرفاتهم الى نفس القانون. (ثانياً) أن الكل مسؤول عن أفعاله وتصرفاته ضمن القانون وان الجميع متساوون في هذه المسائلة. فيما تضيف بعض النظريات عناصر أخرى لسيادة القانون منها ما يتعلق بالقانون نفسه بان يكون صادراً عن جهة منتخبة انتخاباً حراً ومتاحاً لاطلاع عموم الناس وان يناط الفصل في النزاعات في تطبيقه الى قضاء مستقل نزيه.
مفهوم سيادة القانون Rule of Law في الفقه الأنجلو ساكسوني يقابله مفهوم حقوقي في الفقه اللاتيني الفرنسي هو مفهوم دولة القانون L’Etat de Droit وهو نفس المفهوم في الفقه الجيرماني Rechtsstaat . ويقوم مفهوم دولة القانون باختصار على ان الدولة تخضع للقانون في جميع مظاهر نشاطها سواء من حيث التشريع أو الإدارة أو القضاء من خلال (اولاً) احترام مبدأ هرمية القواعد التشريعية او تدرج القاعدة القانونية– حيث يمثل الدستور قمة هذا الهرم ثم تليه القوانين الصادرة عن البرلمان ثم الأنظمة التي يضعها مجلس الوزراء وانتهاءاً بالتعليمات او القرارات التي يصدرها المسؤولون في الدولة- و (ثانياً) الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات كضمانة لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم ويقصد بذلك توزيع السلطات العامة للدولة على ثلاثة سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية، و(ثالثاً) الرقابة القضائية على أعمال السلطات العامة تتوافر فيها ضمانات تؤكد حيادية القاضي واستقلاله وتوفير الفرصة لكل خصم في أن يدافع عن حقوقه، و (رابعاً) المساواة امام القانون.
من خلال تحليل الورقة النقاشية الملكية يظهر بانها اضافت الى ما سبق مجموعة من العناصر التي تشكل في مجموعها السمات الرئيسية للدولة الاردنية كما يراها جلالة الملك. فالرؤية الملكية شملت حقوق الافراد بمفهوم أوسع لدولة وسيادة القانون، فشملت النزاهة والشفافية والعدالة في تطبيق القانون والرقابة على إحترام الدستور دون أن تغفل أهمية تفعيل مدونات السلوك واخلاقيات العمل في اجهزة الدولة.
لا يمكن تصور قيام دولة مدنية حديثة دون أن يكون سيادة القانون هو العمود الفقري لها، ومن هنا تأتي أهمية الربط الذي أشار الية جلالة الملك ما بين الدولة المدنية وسيادة القانون بقوله " سيادة القانون عماد الدولة الاردنية" مع تأكيد جلالة الملك على اهمية الدين كمصدر لمنظومة الاخلاق والقيم المجتمعية في الدولة المدنية الحديثة وأهمية حمايته من التسييس والاستغلال. لذا فان صيانة أجهزة الدولة وترجمة أقوال جلالة الملك في بناء الدولة الحديثة يكمن في مراجعة تطبيقات سيادة القانون في جوانب ونشاطات الدولة المختلفه بما يحقق هدف دولة القانون باشاعة العدالة العامة والتصدي للفوضى. وستناول في مقالات لاحقة أبعاد سيادة القانون وتطبيقاتها المختلفة في الدولة الاردنية.