ظاهرة عدم التطابق والمساواة بين الجميع هي الاكثر تأثيرا في الدول العربية جميعها سواء الدول الغنية او الاقل حظا.
هذا يسبب هاجسا للدول غير العربية، حيث يزداد عدد الذين يغادرون بلدانهم الى بلدان اخرى هربا من نار حكامهم.
لم يعد الفقر وصراع الطبقات فقط هو الذي يصنع الثورات ولكن التمييز هو الاكثر خطورة.
يحصل ذلك عندما تشعر فئات من المجتمع بأنها تعاني من التمييز وعدم المساواة بسبب الخلفية الاجتماعية والعائلية او القبلية والمناطقية والطائفية.
ان الشعور بالتمييز والمحاباة خاصة عندما يتداخل مع عوامل اجتماعية وعمرية ومناطقية،يتحول لقنابل موقوتة لا يمكن الا ان تنفجر في وجه النظام السياسي.
ان حرمان بعض الفئات من مواقع مهمة في الدولة حيث مصالحها لا تراعى كما تراعى مصالح الآخرين،تجعلهم يبتعدون عن العمل الجاد والانتماء لرفع مستوى الوطن.
اما القوى المهيمنة المرتبطة بالنظام السياسي فانهم يشعرون ان الدولة ملكهم ولهم فيها احقية تتفوق على غيرهم،حتى لو تجاوزوا القانون ودمروا الادارة واعتدوا على المال العام.
سيشعر الآخرون بالغربة في أوطانهم وبانزوائهم عن دولتهم ومؤسساتها ولا يشعرون بالامن،وبهذا تفرز الدولة معارضين وغاضبين وحاقدين وربما يتحول ذلك دون وعي الى استغلالهم لاعمال ارهابية او عدوانية.
من الامثلة في البلدان العربية فقد برز العلويون في الجبال في سوريه نتيجة عدم المساواة مع غيرهم،وكذلك ثورة عبد الناصر في مصر نتيجة الظلم والتمييز كما الشيعة في العراق ولبنان حيث برز حزب الله نتيجة لذلك،كما برز الحوثيون في اليمن والجنوبيون في عدن وغيرهم نتيجة قمعهم وتهميشهم من انظمة سابقة.
الاخطر من ذلك عندما تاتي هذه الفئة التي لم تحصل على حقوقها وتستلم الحكم بان يكون لها روح الانتقام مما يسبب الظلم لفئات ارتبطت بالنظام القديم كما حصل في ايران وبعض الدول العربية.
لذا لا بد من الاصلاح ووضع قوانين تطبق على الجميع بالتساوي وتفتح المجال للفضاء السياسي والحقوقي والتنموي والديموقراطي وتطبق العدالة الاجتماعية على الجميع.
لم تقدم الدول العربية لحد الآن نموذجا للعدالة والمساواة لتطوير المجتمع سياسيا واجتماعيا وثقافيا وانسانيا وحزبيا في مجال ممارسة الحريات والحقوق.
لم يرق الشعب بالمفهوم العربي الرسمي لمستوى الديموقراطية وبقيت الدولة هي الراعية وهي المتصرفة.
اذا لم ترغب الدولة في تطبيق المساواة بين الجميع فكيف يمكنها ان تطلب من الجميع الوقوف صفا واحدا ضد الارهاب والعنف؟
سيقف غير المنصفين في صف سلبي ويتركون المعركة بانها للمحظيين فقط ولا علاقة لهم مع العلم ان الوطن للجميع وان اي آثار سلبية ستنتشر وسيتأثر بها كل فرد وكل مواطن.
في الوقت الحاضر نقول اننا معشر العرب نعيش في اليوم الواحد اكثر من زمن،بينما نجد الانسان في الغرب يعيش زمنا واحدا وهو زمنه الراهن في علاقته مع العمل وانضباطه به.
انتقل الغرب من تشكيلة اجتماعية – اقتصادية سابقة – الى واحدة جديدة بعد ان تكون سابقتها قد استنفذت طاقاتها وزمنها.
حلت الرأسمالية محل الاقطاعية فجاءت بالمجتمع الصناعي بما فيه من عقلانية وتخطيط وترشيد واحترام للوقت وتقسيم للعمل وغياب للمحسوبية والتمييز،ثم انتقلت للمرحلة الالكترونية والثورة المعلوماتية.
نحن لم نلحق بعد بركب الحضارة والدول التي سبقتنا ولكننا لا نزال نعاني من مشاكل التمييز وعدم المساواة.
نحتاج لثورة اخلاقية وعلمية بمساهمة كل افراد الشعب حتى نستطيع بناء بلداننا ونركب قارب الحضارة والتطور.
فلا بد لنا بالنهوض بالعملية التعليمية والتفكير بطرق جديدة،لان العلم يفتح العقول ويهذب الاخلاق ويؤدي لتحسين الاحوال المعيشية ويرتقي بالمجتمعات ويعطي فرصة للتفكير والاختلاف والتميز.
كما انه يحتاج الى الاصلاح والابتكار ليرقى الى مستوى التطور في تغيير طريقة الناس في التفكير والعمل والحياة والدراسة ونظرتهم للمستقبل.
قال شوقي في قصيدة نهج البردة :
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه فقوّم النفس باللأخلاق تستقم
والنفس من خيرها في خير وعافية والنفس من شرها في مرتع وخم
dr.sami.alrashid@gmail.com