لو ان المثقفين واشباههم والهواة من الكتّاب والمحترفين يجهرون بواحد بالالف فقط مما يتداولونه في جلساتهم الخاصة في المقاهي والبيوت لما كان الحال على ما هو عليه، لكن كلام الليل يمحوه النهار وما يتم هجاؤه سرا يصبح قابلا للثناء والمديح علانية !!
بالطبع سيسارع من يقرأ هذه السطور الى القول بأنها الشيزوفرينيا او الازدواجية التي ضاعفت من عدد العرب ما دام كل واحد منهم هو اثنان !
لكن الاهم من التوصيف هو التحليل وبالتالي البحث عن الاسباب، فهل كان الخوف المزمن لعدة قرون هو السبب الذي يبطل العجب؟ ام ان الحاجة التي قيل عنها انها ام الاختراع هي التي باعدت بين الانسان ونفسه ، وقد تتحالف عدة اسباب لكي تتشكل ظاهرة ما وبالتالي تواصل افرازاتها السامة!
فالانسان لكي يتناغم مع ذاته ويقول ما يفكر به فعلا وليس ما هو مطلوب منه عليه اولا ان يكون حرا وغير مرتهن لأي شيء ، لأن الجائع لا يفكر بما هو أبعد من الوجبة القادمة، والخائف لا يفكر الا بما يحقق له النجاة، والمصاب بقشعريرة الصقيع لا يحلم بما هو أبعد من لحاف دافىء او قليل من النار !
ان مطالبة الناس بالصدق والانسجام مع النفس وعدم الوقوع في الازدواجية يذكرنا بالشاعر الذي قال :
القاه في اليمّ مكتوفا، فيكف نطلب من الغريق ان لا يبتل بالماء او حتى بالدم؟ والله وحده يعلم كم هي تكلفة الصدق في هذا الوقت، وكم هي غربة من قرر ان لا ينشطر الى اثنين، احدهما يهجو ليلا والاخر يمدح نهارا ! وحين تعقد الندوات التي يشكو المشاركون فيها من عزوف الناس عن القراءة يذكرون الف سبب الا السبب الجوهري وهو ازدواجية المكتوب والمنطوق !!
الدستور